Site icon IMLebanon

ليس بالسلاح وحده نُحارب الإرهاب..

الصحوات الدولية المتتابعة ضد الظاهرة الداعشية المتطرّفة، لم تحصل، إلا بعد أن وصلت جحافل هذا التنظيم التكفيري إلى منابع النفط العراقي، ووصلت قواته المقاتلة إلى حدود دويلة كردستان، المحميّة الأميركية بامتياز!

خاض مقاتلو «الدولة الإسلامية» المزعومة معارك في سوريا لأكثر من سنتين، وارتكبوا من المجازر والفظائع، ما أدّى إلى سقوط الآلاف من الضحايا المدنيين الأبرياء، واجتاحوا القرى المسيحية، ودمّروا الكنائس، ونسفوا مراقد الأولياء والصالحين، ولم يراعوا حرمة لحضارة، أو لأي قيمة إنسانية،.. ومع ذلك لم يُحرِّك المجتمع الدولي ساكناً، ولم يشعر «الضمير العالمي» بعقدة ذنب، على هذا السكوت المريب، على مثل هذه الممارسات التي تحوّلت إلى وصمة عار على جبين الأمم والشعوب، التي تدّعي اعتناق الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان الطبيعية.

لم تنفع مسارعة الدول الإسلامية إلى إدانة تصرّفات قيادة «داعش»، وشجب عقيدتها التي لا تعترف بحق الإختلاف مع الآخر، ولا بحقّه في الوجود أصلاً، في تحريك عواصم القرار الدولي للتصدّي لموجات العنف الجنوني التي يمارسها شذّاذ الآفاق بإسم الإسلام، والدين الحنيف منهم، ومن ممارساتهم الإجرامية براء.

ولو حصل مثل هذا التحرّك الدولي، الذي بدأ بالغارات الجوية الأميركية على مراكز داعش، وبإرسال الأسلحة اللازمة، وعلى عجل، إلى القوات الكردية في إقليم كردستان، لكان أصحاب القرار الدولي وفّروا أرواح ودماء آلاف الضحايا، فضلاً عن بقاء عشرات الألوف في مدنهم وقراهم وبيوتهم!

أمّا وقد فتحت الظاهرة الداعشية أبواب الحرب على الإرهاب على مصراعيها من جديد، فثمّة عِبَر وحقائق كرّستها معارك الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن وحلفاءه، ضد الإرهاب، إثر هجمات 11 أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن، والتي كان من نتائجها إندفاع الإدارة البوشية الأهوج، لخوض حربين خاسرتين في أفغانستان والعراق، تسبّبتا في استنزاف قوة أقوى اقتصاد في العالم، وتعريض الاقتصاد العالمي لنكسة خطيرة عام 2008، ما زالت الاقتصاديات الكبرى، وفي طليعتها الاقتصاد الأميركي، يُعاني من تداعياتها المالية والإجتماعية!

من الممكن إختصار تلك العِبَر والحقائق بالنقاط والعناوين التالية، وذلك على سبيل المثال لا الحصر:

1- أثبتت التجارب المريرة أن الاعتماد على القوة العسكرية وحدها، للقضاء على ظاهرة الإرهاب، وتنظيماتها المختلفة، لا يكفي، لأن الخيار الأمني أو العسكري وحده، على أهميته، لا يؤدي دائماً إلى استئصال للبؤر الإرهابية، ومعالجة البيئات التي تنمو فيها بذور التطرّف، بل قد يؤدي إلى مفاعيل عكسية، كما حصل بعد الغزو الأميركي لأفغانستان، واحتلال قوات التحالف للعراق، حيث تحوّل البلدان إلى مرتع لمقاتلي «القاعدة» وأخواتها، وآخرها تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام».

2- لقد اعترف العديد من مراكز الأبحاث في أميركا وأوروبا، بأن الفقر والجهل هما منبع الحقد والتطرّف، وأن حالات الإحباط واليأس، التي يتخبّط فيها الملايين من الشباب العاطل عن العمل، هي التي تغذّي التيارات والتنظيمات الإرهابية بالآلاف من المقاتلين البائسين، تحت ضغط العوز والحرمان.

3- لقد تبيّن أن صرف المليارات على شراء الأسلحة، وتجهيز الجيوش، وخوض المعارك ضد التنظيمات الإرهابية، يبقى على قدر كبير من الأهمية، ولكن الالتفات لتخصيص مليارات أخرى، وأحياناً بضعة مئات من الملايين فقط، لتنفيذ مشاريع إنمائية في المناطق الريفية، وفي البؤر الفقيرة، بهدف تأمين العمل للآلاف من الشباب الغارق في البطالة واليأس، ان مثل هذه الإلتفاتة قد لا تقل أهمية عن برامج بناء الجيوش واعتماد خطط التسليح المختلفة، لأن اعتماد مشاريع لتنمية وتوفير فرص العمل، من شأنه أن يجفّف المنابع البشرية للمنظمات الإرهابية.

لقد سجّلت تجربة التنمية و.المناصحة في السعودية نجاحاً مشهوداً، وحققت الكثير في تفكيك الخلايا الإرهابية في مصر في التسعينات من القرن الماضي، وهذا ما يطالب به أهل الحكمة والخبرة في طرابلس، لاستيعاب آلاف الشباب العاطل عن العمل، وانتشالهم من بؤر التطرّف والأفكار المتشدّدة.

 * * *

لا داعي للخوض في تفاصيل تلك العِبَر والحقائق، واستعادة عشرات الأمثلة والشواهد والوقائع، مثل هرولة الشبّان لحمل السلاح مقابل حفنة من الدولارات، لا تُسمن ولا تُغني عن جوع، أو إقبال الآلاف على التطوّع بإسم «الجهاد» بعدما يئسوا من ظلم الحياة، وإهمال أهل الدنيا لحقّهم بحياة كريمة،.. إلى آخر هذه السلسلة، فالمسألة بالغة الوضوح والحساسية في آن واحد، ولا تحتاج إلى أكثر من معالجة واقعية ناضجة وعادلة، سواء على مستوى المنظمات والصناديق الدولية، أم على مستوى الحكومات والمؤسسات المحليّة، وذلك من خلال إعطاء المشاريع الإنمائية وبرامج تجفيف بؤر الإرهاب والفقر ما تستحق من دعم وتمويل.

نعم..، ليس بالسلاح وحده نحارب الإرهاب..، سواء الآتي من القاعدة وداعش، أو الأجيال القادمة بعدهما!