لا يُشبه حال البقاعيين اليوم اياً من الحالات التي مرّت على لبنان، اذ ان عدواً مستحدثاً بات يهدد عيشهم وينغّص عليهم حياتهم اليومية ليزيد على شقائهم ووجعهم موتاً يلاحقهم اينما وجدوا وحصاراً يكبلهم داخل بيوتهم فيمدونهم بخطابات واهية بالية على مثال «اخرجوا للنصر ولا تموتوا في منازلكم كالجبناء».
بسهولة مطلقة يمكن خلق عدو وبسهولة اكبر يمكن تحويل بوصلة السلاح من جهة الى اخرى لكن يبقى اقناع الناس بهذا العدو وبالأسباب التي ادت الى استدارة البندقية العملية الاصعب خصوصا وسط بيئة لم تتعود يوما على وجود عدو يسكن حدودها ويهدد وجودها ويصل احيانا الى احيائها وزواريبها إمّا من خلال سيارة مفخخة او راجلاً عبر بساتينها وجرودها.
اهالي البقاع الشمالي هم اكثر من يعاني المرحلة الآنية فهناك من يُعبئ في عقولهم قصصاً عن الموت الزاحف اليهم من خلف الحدود، وعن جماعات لا ترتوي الا بقطع رؤوسهم ما يُزيد الامور تعقيدا والتباساً فيصبح الكل بالنسبة اليهم اعداء وفي خانة «التكفيريين» ولا يعود هناك من تمييز بين طفل ومسن او بين جار وعدو فتزداد عليهم الضغوط والحيرة وتحديدا الفقراء منهم والمهمشون المنشغلون اصلاً بتأمين لقمة عيشهم بعيدا عن الذل والاذلال والرافضون الوقوف على ابواب المحسنين المدعين قربهم من الله.
في بعلبك وقرى الهرمل تحديدا حُذفت كلمتا الجار والعيش المشترك،ـ جماعات تدعو على الدوام للإلتحاق بجبهات الموت والقتل وحل مكانهما «الإنتقام»، يروي الاهالي عن مجتمع صعب يعيشونه اشبه بمجتمع الحرب الذي تعيشه اسرائيل. السلاح ينتشر على كامل الحدود مع سوريا وبين الناس حتى الفتيان لم يسلموا من حمله».
ليس السر في الصور المتزايدة للقتلى الذين يسقطون يوميا على «جبهات الموت» انما في اعمارهم بحيث لم يتجاوز معظمهم سن الثامنة عشرة واحيانا اقل لكن ومن خلال المعطيات التي يتكفل البعض بشرحها حول هذه الظاهرة يمكن للمرء الحصول على مجموعة من الاجابات المعقدة والتي تدخل في صميم معتقد جديد بات يتحكم بمفاصل حياة هؤلاء الشبان. « الاستشهاد اضحى موضة لدى جيل الشباب البقاعي وهؤلاء باتوا يتأثرون بمشاهد التشييع والعزاء الذي يُقيمه لهم «حزب الله» فيتمنى الشاب الحاضر لو انه هو «الشهيد» لينال المدائح والخطابات الثورية مع مجموع كل ما يشاهده خلال اقامة الجنازات».
يتحدث اهالي البقاع بشكل واضح وعلني عن التدريبات العسكرية التي يجريها «حزب الله» للعناصر داخل القرى المتاخمة للحدود وعن شبان يؤتى بهم من خارج البقاع وتحديدا من جنوب لبنان والضاحية الجنوبية للتدرب «هنا» على شتّى انواع الاسلحة لكن ضمن مهلة محددة وقصيرة جدا قياسا الى التدريبات التي كانت تُعتمد في السابق وذلك لدواعي «الحرب». وهنا يبرز رأي ملتبس لقياديين في الحزب مفاده ان ابن الجنوب الذي يأتي لقتال «التكفيريين» انما يقوم بذلك من باب رد الجميل وهنا يقول احدهم «كنا نحن البقاعيين نُعتبر في مرحلة سابقة خزّان المقاومة ضد العدو الاسرائيلي وكنا نذهب للإستشهاد على ارض الجنوب واليوم تبدلت الاحوال واصبح العدو على حدودنا فصاروا يأتون للقتال هنا طلباً للنصر او «الاستشهاد».
وسط المعتقدات الخاطئة التي تُبث في روح بيئة «حزب الله» وجمهوره والاناشيد الحماسية التي تبدلت اولوياتها واهدافها من «ازرع جسدك في الجنوب» الى «احسم نصرك في يبرود» يتداول الجنوبيون هذه الفترة قصة صغيرة على سبيل الدعابة تقول ان «حزب الله» ترك على الحدود مع اسرائيل لافتة صغيرة كُتب عليها «لقد انتقلنا الى الجهة السورية مع ملاحظة ليس لمقاومتنا فرع آخر».