تُظَلّل ما سُمّي «وساطة» هيئة العلماء المسلمين منذ الأمس مئات علامات الاستفهام، بعد مفاجأة انسحاب مسلّحي «داعش» بـ»أمان وأمن» إلى خارج عرسال، ليبقوا خنجراً في ظهرها وظهر الجيش اللبناني، والرهائن العسكريّون الذين «بُرّر» بالأمس عدم إطلاق سراحهم بأنّهم موجودون خارج عرسال، مع أنّ المفاوضات أكّدت أنهم «سيطلق سراحهم» فور انسحاب «داعش» ومسلحيها من عرسال، أفلا يَحِقّ لنا أن نشتمّ رائحة «تآمر» مع «داعش» أو أنّ هناك ملامح «خديعة» و»تواطؤ» مع داعش على جنود الجيش اللبناني وعسكريّي قوى الأمن الداخلي، وللمناسبة الذين تباهَوْا بالأمس بالتهليل لـ»الحلّ السياسي» سيكتشفون مع أول «جثة» تُلقى لتضغط على التفاوض أنّ ما انتهى إليه الحال في عرسال كان «كارثة وطنيّة» بكلّ ما للكلمة من معنى!!
«نحاول الاتصال بهم لكن خطوطهم مغلقة»، أو «فقدان الاتصال مع الجهات التي خطفت العسكريين وعناصر قوى الأمن الداخلي»، هذه هي «الخديعة» بعينها، أمّا المؤامرة «الكاملة الأوصاف» فقرأناها بالأمس في إجابة أحد المشاركين في ما سُمّي «وفد التفاوض» عند سؤاله «إمكان أن يطلب المسلحون مطالب جديدة كإطلاق سراح بعض المساجين في سجن رومية أو سواهم «، فكانت الإجابة: «أي شيء قابل للتفاوض، إذا قبلت الدولة والجيش بذلك، نحن ننتظر المفاوضات من نقطة إلى أخرى، فهل نترك ما نحن متأكدون منه إلى احتمال وظن»!!!
المشهد اللاحق سيكون كالآتي: التهديد بتصفية العسكريين واحداً تلو الآخر مع «تصوير وبثّ عملية التصفية الجسديّة للرهائن «بتهمة التعامل مع»الجيش الصليبي والعدوّ الإيراني»، أو أنّنا سنرى»قطيعاً» طويلاً وممتداً من الإرهابيّين أو ما يُسمّى بـ»الموقوفين الإسلاميين» خارجين من سجن رومية وسواه، ليعودوا إلى خلاياهم وليبدأوا مرحلة جديدة اسمها «الثأر» من الجيش اللبناني!!
هناك طرف واحدٌ في لبنان يُحرّض الشارع الطرابلسي تحديداً ويقطع الطرقات وينصب الخيم ويحرق الإطارات ويُهاجم الجيش اللبناني ويطالب بإطلاق سراح كثير من الإرهابيين، وهذا الطرف هو «هيئة علماء المسلمين» بكلّ شُّبهات التطرّف الشديد التي تُحيط ببعض أسماء أعضائها، وللمفارقة أن هذا الطرف هو الذي تولّى التفاوض مع «داعش»، الأمر الذي يستدعي الكثير من الشكّ حول دورهم في نهاية التفاوض «غير السعيدة» أو استغلال اللحظة لتحقيق كسبٍ لهم يمتدّ من عرسال إلى طرابلس!!
كلّ الخوف أن ينتهي هذا المشهد نهاية كارثيّة، يبدو أنّ الجميع كان يُريد أن لا يقاتل على وجه الحقيقة، ويريد حلاً «نص نص» يُحقّق له مكسباً سياسياً سريعاً أو منصباً ما، ومن تابع مواقع التواصل الاجتماعي بدقّة أيقن منذ البداية أن كثيراً من اللبنانيّين اعتبروا أن الرّغبة السياسية هي الدّافع الأوّل والأخير، لهذه النهاية الـمُسيئة للتفاوض مع «داعش»!!
كل هذه التساؤلات تحتاج إلى إجابات واضحة، كذلك ذوو الرهائن محتاجون أن يعود أبناؤهم إلى عائلاتهم، لا أن يكونوا رهائن لإرهابيين لن يترددوا في ذبحهم أو التنكيل بهم أو قطع رؤوسهم بعد أحكام إعدام تصدر بحقّهم، هذا «افتراض» حقيقي على الجميع أن يواجهه خصوصاً أنّهم يتعاملون مع «إرهابٍ» فوق القاعدة، وأن هذا المشهد الـمُفترض هدفه «زعزعة»معنويّات الجيش اللبناني وشقّ صفوفه.
كان على قيادة الجيش أن تختار مفاوضاً محايداً، وأن ترفض بحزمٍ وحسمٍ أن يتمّ أيّ انسحاب «داعشي» آمن قبل إطلاق كلّ العسكريّين اللبنانيين، فلا تبرير لعدم إطلاق سراح الرهائن العسكريّين بأنهم أصلاً خارج الأراضي اللبناني، الأيام المقبلة ستكون صعبة على اللبنانيّين، وما ستَرتْهُ «هيئة علماء التفاوض مع الإرهاب» سيخرج إلى الضوء سريعاً، وعندها سيكون لكلّ حديث حساب!!