لا شكّ في أنّ الأحداث التي تعصف بالشرق الأوسط بدءاً من العراق ومروراً بسوريا ولبنان، تشير الى أنّ المنطقة برمّتها متجهة الى الفوضى، ما من شأنه وضع العالم بأسره على المحكّ.
يعتبر ديبلوماسيّ روسي سابق انّ استمرارَ محاولات اقتلاع المسحيّين من العراق يثبت استمرارَ تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) في خططه التوسعية في الشرق، إذ إنّ السيطرة على الموصل ومن ثمّ على جبال سنجار الحدودية هي بداية للتقدّم في اتجاه مسيحيّي سوريا ولاحقاً مسيحيّي لبنان، وستؤدي الى انهيار عدد من الحكومات والأنظمة في المنطقة، وبالتالي فإنّ الفلتان الأمني سيكون سيد الموقف، والعالم كله لن يكون في منأى عن تداعيات انهيار الأمن في تلك المنطقة.
ويرى هذا الديبلوماسي انّ ازدواجية المعايير في السياسة الغربية ولا سيما منها السياسة الاميركية، هي التي مكّنت التنظيمات الراديكالية المسلّحة من الإسراع في تنفيذ أجندتها بالسيطرة على مناطق واسعة وتكوين كياناتٍ خاصة على حساب الأقليات.
إذ إنّ من غير الممكن تصنيف الارهاب ما بين جيد وسيّئ، ولا يمكن التعاطي معه من منطلق المصالح الآنية المشترَكة مثلما تفعل الولايات المتحدة في السنوات الثلاث الماضية على رغم التحذيرات التي تلقتها من موسكو في هذا الشأن.
ويؤكد الديبلوماسي انّ أعداد المسيحيّين في العراق بدأت بالتراجع منذ العام 2003 لتصل الى نسب مخيفة بعد الاعلان عن «الخلافة الاسلامية» هناك، معتبراً انّ التسهيلات التي تقدّمها بعض الدول الغربية وفي مقدّمها فرنسا للمسيحيّين تساهم ايضاً في إفراغ المنطقة، وتشكل حافزاً للمجموعات المتطرّفة على الاستمرار في نهجها العدائي تجاه الأقليات.
ويشير الديبلوماسي الروسي الى انّ الغرب لعب الدور نفسه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي مع مسيحيّي لبنان خلال الحرب الأهلية ما أدّى الى هجرة أعداد كبيرة منهم حينها، وعلى رغم انتهاء الحرب في هذا البلد فإنّ غالبيتهم استقرّت خارجه دائماً.
ويعتبر انّ توسّع سيطرة ما يسمّى «المجموعات الجهادية»، لا يشكل خطراً على المسيحيّين والأقليات فحسب، بل إنه يهدّد المجتمعات الاسلامية في المنطقة، خصوصاً انّ المواجهة مع المذاهب الاسلامية الاخرى ستكون الخطوة الثانية لتلك المجموعات، في ظلّ ضعف سيطرة بعض الحكومات والمؤسسات العسكرية على الأوضاع الميدانية في عدد من دول المنطقة.
ويشير الديبلوماسي نفسه الى انّ هناك شبهاتٍ حول استغلال بعض الدول الإقليمية والغربية لدور تلك المجموعات، من خلال غضّ الطرف عن نشاطاتها وطرق وأساليب تزويدها بالأسلحة الحديثة، إضافة الى تسهيل حركة عبور الراغبين بالجهاد.
وبحسب هذا الديبلوماسي فإنّ تقارير استخبارية تؤكد وجودَ عشرات الآلاف من «المجاهدين» الذين جاؤوا من دول شمال أفريقيّة وأوروبيّة عدّة الى العراق وسوريا، إضافة الى رصد محاولات تسلّلهم الى لبنان، الأمر الذي يكشف النقاب عن سيناريوهات معدّة مسبقاً في أقبية بعض الأجهزة الاستخبارية في المنطقة وخارجها للتحكم بدور هذه المجموعات، في اعتبار أنه لا يمكن وصول هذه الأعداد الكبرى الى المنطقة من دون مساعدة وغطاء. كما انّ التجارب والمعلومات المتوافرة تفيد انّ غالبية هؤلاء يتمتعون بخبراتٍ عسكرية عالية، ما يؤكد وقوف أطراف مشبوهة خلف هذه الظاهرة.
ويعتبر الديبلومسي انّ توجيه ضرباتٍ جوّية أميركية وتوفير مساعدات إنسانية للأقليّات المحاصرة في العراق لا تشكل حلاً لهذه المعضلة، بل إنها ستدفع الجماعات المسلّحة الى الانتقام ما يعني مزيداً من المجازر، وهذا ما سيؤدّي، في المحصلة، الى هجرة ما تبقى من مسيحيّين في الشرق.