التغيرات السياسية كالتاريخ بطيئة في تحركها ونحن لا نشعر بهذه الحركه الا عند التحول العاصف، وكما أننا لا نشعر بقوة الهواء الا عند هبوب العاصفة ولا بحركة المد والجزر في البحر الا عند هيجانه وارتطامه بالصخور، كذلك لا نتحسس الحركة السياسية الا عند وقوع الثورات والانقلابات ما يثبت ان كل شيء متحرك، فالثورات والانقلابات ليست وليدة ساعتها ولكننا لا نتحسس بها الا عند وقوعها.
اقول هذا لقناعتي بأن المنطقة التي نعيش فيها لا تزال في مدار عواصف التاريخ. فعاصفة سايكس – بيكو سنة 1916 كانت محطة انتقال من الامبراطورية العثمانية المهزومة الى دول انشئت في بلاد الشام، فكان العراق ولبنان وسوريا وشرق الاردن وفلسطين.
وعاصفة وعد بلفور سنة 1917 ما كانت الا للتحضير للمّ الشتات اليهودي من العالم وجمعه في ارض لا يملكها وطُرد اهلها منها، وبعد هزات متعددة امنت الامم المتحدة حدود اسرائيل.. فبعد حرب اسرائيل مع سوريا وقف جنود الامم المتحدة سنة 1973 بين اسرائيل وسوريا. وبعد اتفاق وادي عربة سنة 1993 نُصب جدار بين الاردن واسرائيل قوامه معاهدة سلام! كما امنت الامم المتحدة حدود اسرائيل مع سوريا بعد حرب 1973 وكذلك وقفت الامم المتحدة بين مصر واسرائيل سنة 1979 بعد معاهدة سلام. اما لبنان فقد رسم الخط الازرق ووقفت الامم المتحدة بيننا وبينهم سنة 2006. وبعد هذا ماذا بقي لتأمين أمن إسرائيل من قبل العالم فالاردن وسوريا ومصر ولبنان قد وُضع حد بينها وبين اسرائيل وبرعاية دول العالم.. ولم يبق غير نتوء غزة الذي لا يزال يزعج أمن اليهود، فماذا بعد أن تؤمَّن حدود اسرائيل مع غزة عن طريق الامم المتحدة وبتوافق مصري؟
لنتصور ماذا يمكن ان يحدث، اسرائيل مؤمنة دولياً واسرائيل اعلنت انها دولة يهودية ترفض غير اليهود. هنا يبدأ القسم الآخر من العواصف، فاسرائيل تريد حولها دولة كردية ودولة علوية ودولاً سنية ودولة شيعية ودولة مسيحية لما بقي من مسيحيين وترفض منطق الاوطان الجامعة.
ومع هذا يبقى لبنان حجر عثرة حقيقيا بالنسبة للمشروع الاسرائيلي اذ انه برغم التجاذبات بين اهله يصر اللبنانيون على العيش معاً وهذا العيش الواحد او المشترك هو الخطر الحقيقي الذي يهدد الكيان اليهودي في المنطقة.
وهذا اللبنان الصغير كان وسيبقى العدو الحقيقي للكيان العنصري اليهودي.