حملت الأيام القليلة الماضية شيئاً من التفاؤل لا سيما بعد الملامح الايجابية التي ظهر مع تكليف حيدر العبادي تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. ما جعل الرئىس نبيه بري يأمل امام النواب في «لقاء الاربعاء» ان ينعكس ذلك ايجاباً على لبنان.
ومما لا شك فيه ان مجيء رئىس تيار «المستقبل» سعد الحريري الى لبنان بعد غياب طويل أضفى بدوره بعض التفاؤل في امكانية السعي الى حلحلة الازمات والملفات العالقة في لبنان، لكن الاستحقاق الرئاسي الذي يشكل ابرز هذه الملفات بقي على حاله بانتظار ما ستؤول اليه الاوضاع والجهود المبذولة لحل العقد التي تتحكم به.
وفي الحديث عن نتائج «الجولة الاولى» من عودة الحريري وحضوره على الساحة اللبنانية تبدي مصادر متابعة وقريبة منه ارتياحها لما حققته هذه الجولة حتى الآن، معتبرة أن هناك خطوات اخرى ستحصل في المرحلة المقبلة.
وتقول هذه المصادر ان الحريري ابلغ بعض المقربين منه ارتياحه لنتائج تحركه، وانه سيتابع جهوده في جولات اخرى باعتبار انه سيعود الى لبنان لاحقا وان مغادرته الى جدة لا تعني ان بقاءه خارج البلد سيكون طويلاً.
ووفق معلومات المراجع اللبنانية المطلعة فان رئيس تيار المستقبل سيكون له تحرك مكوكي بين لبنان والسعودية في المرحلة المقبلة، لأن هناك قضايا وملفات عالقة تحتاج الى مثل هذا التحرك خصوصاً ان المسؤولين السعوديين لم يحسموا امرهم في هذه القضايا.
وحسب المعلومات فان الحريري جاء الى لبنان بـ«أمر ملكي» يتعلق ببعض الأمور الملحة، وبالتالي فان التركيز في جولته الاولى كان على هذه الامور التي تتعلق بالبيت الداخلي لتياره وللشارع السنّي، بالاضافة الى الوضع الناشىء عن احداث عرسال الأخيرة.
وفي رأي المصادر المتابعة لتحركه فانه نجح في تحقيق اهداف عديدة لهذه «المهمة الملكية» هي:
1ـ تنفيذ التعليمات السعودية حول الهبة التي قدمتها لدعم الجيش والقوى الامنية (مليار دولار)، مع بعض التعديلات في توزيعها على هذه المؤسسات في ضوء نتائج الاجتماعات التي شارك فيها او عقدها مع مسؤولين سياسيين وأمنيين.
وتؤكد المصادر ان هذه الهبة لن يكون مسارها ومصيرها كالمليارات الثلاثة التي اعلن عنها في الماضي لمصلحة تسليح وتعزيز الجيش والقوى الامنية عن طريق فرنسا، وان المليار دولار سيصرف قريباً في اطار ما تقرر خلال وجود الحريري في بيروت.
2ـ نجح الحريري في كبح جماع المتطرفين والمتشددين في صفوف تياره خصوصا بعد تصريحات الثلاثي النيابي الضاهر، كبارة والمرعبي الاخيرة اثر احداث عرسال، لا بل أمر مسلحاً بالمهمة السعودية وبنفوذه القوي بوقف التصريحات واطلاق مثل هذه المواقف «تحت طائلة المسؤولية».
3ـ وضع حدّ بشكل كبير لما يسمى بظهور مراكز النفوذ في قيادة تيار «المستقبل» لا سيما على مستوى الطامحين الذين يتطلعون الى منصب رئاسة الوزراء، وقد ظهر ذلك بشكل واضح على مستوى تراجع زخم الرئىس فؤاد السنيورة.
4ـ استطاع الحريري ان «يغطي» على نشاط هيئة العلماء المسلمين الذي اخذ يتنامى مؤخراً لا سيما مع احداث عرسال، لا سيما ان خصوم هذه الهيئة يتهمونها بأنها تحاول ان تأخذ مساحة من نفوذ «المستقبل» في طرابلس ومناطق اخرى وانها تلقى دعماً مباشراً من قطر، ومع ذلك بقيت المجموعة المذكورة تحاول ان تبقى في دائرة الضوء من خلال المهمة التي اوكلت نفسها بها وهي «الوساطة» لحل قضية المخطوفين العسكريين في عرسال.
5ـ تمكن الحريري، الذي جاءت عودته الى لبنان مترافقة مع توقيت انتخاب مفتي الجمهورية الجديد، من ان يجيّر هذا الحدث لمصلحته ويظهر بمظهر الراعي له رغم توافق الاطراف السنيّة جميعاً على شخص المفتي الجديد.
ووفقاً للمصادر المتابعة لتحركه ايضاً فانه الى جانب هذه البنود التي تشكل جدول اعمال جولته الاولى في لبنان، فان الحريري وضع مسألة التمديد للمجلس النيابي على الطاولة من دون مواربة، واندفع لطرح هذا الموضوع مع القيادات المعنية لا سيما في لقائه مع الرئيس بري الذي ابدى تحفظا واضحاً لا سيما في ظل شلل المجلس النيابي وتعطيل دوره التشريعي خصوصاً بفعل مقاطعة تيار «المستقبل» لاستكمال مناقشة واقرار سلسلة الرتب والرواتب.
واذا كان بري والحريري اتفقا على اولوية انتخاب رئىس الجمهورية والعمل من اجل تحقيق هذا الامر، فانهما لم يتوصلا الى نتيجة حاسمة بشأن التمديد خصوصاً في ظل استمرار تعطيل المجلس.
وجواباً على تساؤل بري «ما الفائدة من التمديد لمجلس معطل لا يقوم بدوره؟» تقول المصادر ان الحريري اعطى وعداً مبدئياً بكسر هذا التعطيل وحلحلة قضية سلسلة الرتب والرواتب التي تبقى الموضوع الاول على جدول اعمال اي جلسة تشريعية مقبلة.
ووفقاً للمصادر ايضاً فان رئىسة لجنة التربية بهية الحريري بادرت الى استئناف تحركها لحلحلة ازمة السلسلة بعد الزخم الذي اخذته مباشرة من ابن شقيقها، هذا الزخم الذي يتجاوز «فيتوات» السنيورة التي كبحت حركتها سابقاً.
ويؤمل في ضوء هذا الوعد المبدئي تضيف المصادر ان تسفر التحركات والجهود المبذولة عن فتح الباب أمام نزول النواب لاستئاف واستكمال مناقشة واقرار السلسلة مع تعديلات تنطلق من الطرح الذي كان ابلغه الرئىس بري الى المعنيين سابقاً وهو امام حسم عشرة في المئة من سلسلة الرواتب من دون زيادة الواحد في المئة على القيمة المضافة او ابقاء السلسلة على حالها مع زيادة الواحد في المئة على الضريبة المذكورة. مع العلم ان النقاش يتركز بشكل اساسي على الدرجات الست المخصصة للمعلمين والتي يعارض السنيورة اعطاءها.
اما بالنسبة للاستحـقاق الرئاسي والموقف من المرشحين فتقول المعلومات انه من غير المستبعد ان يناقش الحريري التخلي عن تأييد سمير جعجع علناً مقابل الدخول في اخذ ورد حول الصيغ او الاسماء المطروحة سعياً الى تسهيل انتخاب الرئيس الجديد.
وبمعنى آخر ان يحاول رئىس تيار المستقبل ان يأخذ موقفاً شبيهاً بموقف رئيس جبهة النضال النائب وليد جنبلاط؟