قوة عابرة للحدود.. وخبرات تفوق الجيوش
ماذا عن نظرية استنزاف “حزب الله” في سوريا؟
عندما انخرط «حزب الله» في أزمة سوريا ميدانيا، تباهى إسرائيليون كثر بمشهد استنزاف القدرات العسكرية والبشرية والنارية للقوة الفدائية التي استطاعت أن تفرض قواعد جديدة في الحرب مع إسرائيل، من مشهد الانسحاب المذل في أيار 2000 إلى مشهد تموز وآب 2006، عندما اعترفت إسرائيل بفشلها في تحقيق كل أهداف حربها الثانية على لبنان.
بعد سنتين تقريبا على ذلك الانخراط، باتت إسرائيل تنظر الى «حزب الله» بطريقة مختلفة. صحيح أنها تعتبر نفسها رابحة مع كل مقاتل أو جريح يسقط هناك، لكنها باتت تنظر نظرة مختلفة للحزب، من زاوية أنه «جيش نظامي حقيقي ويمتلك قدرات تفوق قدرة بعض الجيوش والدول»، وبتعبير أدق «قوة عابرة للحدود»، وهذه هي جريدة «نيويورك تايمز» تصف مقولة الاستنزاف بأنها سطحية ومجرد «نظرية وردية».
ما يؤرق قادة تل أبيب هو تراكم الخبرات التي اكتسبها «حزب الله» في «حرب المدن» في سوريا، من دون أن يفرط قيد أنملة في خريطة انتشاره في الجنوب اللبناني، وذلك بطريقة تمكّنه من استمرار التحكم بزمام المبادرة.
وتشير قراءة عدد من الخبراء لتجربة «حزب الله» العسكرية في سوريا، ربطا بالمواجهة المفتوحة بينه وبين إسرائيل، الى الآتي:
أولا، على المستوى البشري: صحيح أن «حزب الله» فقد عددا من كوادره وعناصره في معاركه في سوريا على مدى سنتين (الرقم يكاد يتجاوز عدد شهداء المقاومة في حرب تموز)، لكن ذلك لم يؤثر سلبا في معنويات المقاومين، بدليل ارتفاع ظاهرة الانضمام الى صفوف المقاومة بشكل كبير، خصوصا من فئات عمرية تتراوح أعمارها بين 18 و24 عاما، وهؤلاء فاقت نسبهم أعداد من انضموا الى «حزب الله» في أعقاب حرب تموز 2006.
ثانيا، بخلاف ما تروجه بعض وسائل الأعلام المحلية والعالمية عن حالات تمرد في صفوف عناصر «حزب الله»، فان الواقع في البيئة الحزبية من جهة والبيئة الحاضنة من جهة ثانية، مناقض تماما، وخير دليل الاستطلاع الذي مولته السفارة الأميركية في بيروت وأظهر أن نسبة تأييد الطائفة الشيعية لمشاركة «حزب الله» في معارك سوريا تفوق التسعين في المئة.
ثالثا، تبلور ثقافة حزبية عبر عنها السيد حسن نصر الله أكثر من مرة وخصوصا في مقابلته الأخيرة مع «السفير»، باعتباره أن الخطرين الاسرائيلي والتكفيري «يتساويان الآن فعلياً، أو لنقل بعبارة أدق انهما يتزامنان، إذ لا يمكن القول إن هذا الخطر التكفيري خطر مؤجل. خطر التكفير كان دائماً خطراً، لكنه كان بالنسبة لنا ولساحتنا خطراً مؤجلاً»، على حد تعبير نصر الله.
لذلك، ندر أن تجد عنصرا في الحزب يجادل في مشروعية او عدم مشروعية تدخل الحزب في سوريا، لا بل لن يكون مفاجئا أن تجد في وجدان كثيرين منهم أن إسقاط المشروع التكفيري في سوريا، يوازي ضرب مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في أثناء عدوان تموز 2006.
رابعا، اكتسب عناصر «حزب الله» جراء الحرب السورية، خبرات قتالية وتكتيكية كبيرة جدا لم تكن متاحة لهم من قبل وذلك انطلاقا من الآتي:
1. انتقال جميع المقاتلين فور انتهائهم من الدورات عسكرية التي خضعوا لها، من الإطار النظري إلى الشق العملياتي المباشر، وصولا الى خوض معظمهم معارك حرب المدن التي تعد من أصعب أنواع الحروب في العالم، فكيف إذا كان الطرف الآخر، ليس جيشا نظاميا بل مجموعات شارك معظمها في حروب أفغانستان والبوسنة والهرسك وكوسوفو والشيشان والعراق وسوريا.
2. تتحدث صحف إسرائيلية عن مخازن استراتيجية وضعت بتصرف «حزب الله»، تضم مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وبينها أسلحة نوعية جديدة.
3. شكل استخدام التكفيريين للمدنيين كدروع بشرية، فرصة لتعزيز قدرات عناصر «حزب الله» الاحترافية في التصويب، بحيث بات كل عنصر يتمتع بمهارة فائقة في إصابة الاهداف.
4. يسجل الخبراء العسكريون للحزب نجاحه في القدرة على القيادة والتحكم والسيطرة في ميدان متشعب ومعقد وواسع جغرافيا، فالحد الاقصى لعناصر الوحدة العسكرية العاملة في الميدان التي كان يتولى مسؤوليتها قادة عسكريون في الحزب ما قبل الحرب السورية، كان بين 70 إلى 80 مقاتلا، اما الآن، فان مسؤولي الوحدات باتوا يقودون حوالي 700 مقاتل.
رابعا: للمرة الأولى في تاريخها، تتخذ المقاومة وضعية الهجوم، بعدما كانت استراتيجيتها العسكرية إبان الاحتلال الإسرائيلي تعتمد تكتيك الدفاع حصرا، من دون اغفال حقيقة أن الأقمار الإسرائيلية واكبت معركة القصير بكل تفاصيلها وبنى الجيش الاسرائيلي استنتاجات جديدة لا سيما لجهة القدرة على التكيف في منطقة جغرافية مجهولة من جهة، والتفوق العسكري فيها عبر الدمج بين تكتيك الجيوش النظامية وحروب العصابات والمدن والخنادق من جهة ثانية.
خامسا، باتت القيادة الإسرائيلية تضع في الحسبان احتمال تنفيذ تهديد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، بالطلب من مقاتلي الحزب أن يكونوا جاهزين لاحتمال الطلب منهم اجتياح الجليل الأعلى في أي حرب جديدة مستقبلا.