قبل خمسة أيام على انتهاء المهلة الدستورية لإنتخاب رئيسٍ للجمهورية وعشيةَ الجلسة الخامسة المقرّرة بعد غدٍ الخميس، انتَهى السباق بين المرشح المعلن لقوى «14 آذار» سمير جعجع والمرشح غير المعلن لقوى «8 آذار» العماد ميشال عون بعد سقوط كل الفرص لمواجهةٍ متكافئة بينهما تحت سقف النصاب الدستوري. فهل إنطلق ماراتون الصف الثاني في اتجاه قصر بعبدا؟
كان من الواضح منذ الجلسة الأولى التي عقدت في 23 نيسان الماضي استحالةَ استمرار المعركة الرئاسية بين جعجع وعون، فالنصاب الدستوري ومرشح الوسطية وقفا حاجزاً في وجه طموحات الرجلين وكل من أراد خوضَ المواجهة بهما. الإدعاء بقدرة اللبنانيين على خوض معركة انتخاب رئيسٍ صنع لبنان واللبنانيين بانت هشاشته منذ الدورة الأولى بعدما منّنوا النفس بالقدرة على ذلك، وأقرّوا عن غير قناعة بوجود فرصة «لبنانية الصنع» جدية سبق لها أن أنتجت حكومة جامعة بدأت تمارس مهماتها الأمنية والإدارية منذ اللحظة الأولى لتأليفها، ما عكس أجواء يمكن الإفادة منها للنفاد بالإستحقاق الرئاسي قبل 25 الجاري.
لم يطل الأمر كثيراً قبل أن يكشف المتحاربون اوراقَهم المستورة بعد الجلسة الثانية، فعبَّر جعجع عن استعداده عشيةَ الجلسة الثالثة لسحب ترشيحه والتنازل لصالح ايّ مرشح تُجمع عليه «14 آذار» من صفوفها، وذهب رهان عون الى ما يمكن أن تنتجه التفاهمات الإقليمية والدولية لترجّح كفته مؤكداً السعي الى نيل صفة «المرشح التوافقي» على رغم اقتناعه باستحالة الحصول على هذا اللقب والرغبة الجامحة نحوه.
وقد قلّص اقتراب ساعة الحقيقة هامش المناورة امام الجميع خصوصاً عندما دخلت البلاد مهلة الأيام العشرة الأخيرة على وقع الضغوط الخارجية والداخلية. فالحركة الديبلوماسية وراء الكواليس ارتفعت على سطح الأحداث وأنتجت حراكاً ضاغطاً تزامناً مع الهجمة الشرسة التي قادها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي فخرج من صرحه واقتحم المواقع في مبادرات قلَّ نظيرها، فلا يتذكر أحدٌ أنّ بطريركاً زار عين التينة قبل أن تكون، ولا السرايا الكبير كانت مقصداً لأيّ بطريرك حتى الأمس وكلّ ذلك لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وقي الكواليس السياسية سيناريوهات عدة بدأت تتعاطى بترتيبات استباقية لمرحلة ما بعد سقوط تجربتَي عون وجعجع. وعلى رغم اقتناع الأول باستحالة الخطوة ايّاً كان الثمن، يعتبر أنّ تجربة 2008 لن تتكرر، وهو ما زال يعتقد أنه تنازل في تلك الفترة لصالح العماد ميشال سليمان ولن يكرّر الغلطة مرة أخرى، فيما يقتنع الثاني باستحالة توفير النصاب وهو ما زال على لائحة المرشحين.
على هذه الخلفيات، ارتفعت الأصوات من اكثر من موقع داعية الى البحث عن مرشح توافقي ينال من النصاب الدستوري حقه في السباق الى قصر بعبدا قبل الأكثرية المطلقة، وجاءت لقاءات باريس لتكرّس هذه النظرية.
فانتظار عون موافقة «المستقبل» على اعتباره «مرشحاً توافقياً» تساوي في أهميتها، إقرار «حزب الله» وقوى «8 آذار» بوجود جعجع على لائحة «المرشحين الجديين» لتوفير النصاب الدستوري، وفي حال العكس وهو صحيح، فقد تساوت ظروف الرجلين باستحالة المضي في المواجهة ولو الى حين.
ومن هذه المقاربة التي عبّر عنها جعجع بعد لقاءاته الباريسية، يمكن القول إنه وبمجرد الحديث عن استعداد الرئيس سعد الحريري للحديث عن ترشيح «عون التوافقي» ولو من بين أسماء مرشحين محتملين، يعني انّ البقاء على ترشيحه مجرد مرحلة ستنتهي لحظة التفاهم على المرشح التوافقي والجدي.
ومن هذه النقطة يعترف الجميع أنّ معركة البحث عن المرشح «التوافقي والجدي» في آن قد بدأت، وأنّ السباق الى قصر بعبدا قد انطلق على مستوى «الصف الثاني» من المرشحين وفيه اسماء قليلة ومحدودة لا تتجاوز عدد اعضاء «الصف الأول» ليبدأ ماراتون جديد، وليبقى السؤال الأساس: هل تكفي الأيام الخمسة المتبقية من المهلة لوصول أيّ من أبطال السباق الى بعبدا؟ أم انّ مهلة إضافية ستُعطى امامهم لتظهير الصورة؟