Site icon IMLebanon

مار شربل يُحقق أعجوبة في الدقيقة

حبيس عنّايا السكران بالله… القدّيس الصامت…»الختيار»… تعدّدت الأسماء وشربل واحد، هذا القدّيس الكبير في أفعاله والبسيط في حياته… هو الحقيقة التي شكّلت لغزاً كبيراً للّبنانيين في الوطن، وللعالم في أصقاع الأرض، فيما أصبح صيته منتشراً في مشارق العالم ومغاربها… تبدأ فصوله وقصصه وأعاجيبه في لبنان ولا تنتهي في الصين… فيما سِرّه لم يعلمه المؤمنون حتى اليوم ! فما كان يفعله هذا «الختيار» وما يزال، وما يمكن أن يفعله في صمته شكّلَ أمثولةً في بطولة الصمت وبطولة القداسة. تميَّز بروحانية لا تقوم على الوعظ والتبشير، بل على قيمة حياتية وطاقةٍ إنجيلية، لغتُها فضائل وأفعال خفيّة حُرِّرت بصمت مطبَق…بسكوت مستمرّ من أجل الله.

كان صامتاً مع الناس ومتكلّماً مع الله

فمَن هو هذا المخلوق الذي شغلَ الدنيا واللبنانيين؟ وما سرّ هذه العلاقة الوطيدة بين القدّيس شربل واللبنانيين؟ وإلى أين وصلت اليوم؟ فـ«الختيار»، كما يحبّ اللبنانيون تسميته حين يقصدونه للتغزّل به، فيطلقون عليه لقب «الختيار» ليتجسّد في المعنى عمق شخصيته ومظهره اللذين نَقلا بصدقية عالية عمقَ المسيح وبساطته في آن، فشَدّ المؤمنين بسِرّه وسِحره وأعاجيبه، وحثّهم الى معرفة الخالق وعبادته على طريقة شربل، بجاذبية وواقعية، ودائماً من دون كلل، لمعرفة اقاصيص الانجيل وعِبَره. وكلّ ذلك بصمت غريب مع الناس، وصمتٍ متكلّم مع الله.

يُتِّمَ شربل فاكتشف حبّ الله باكراً، وحصل على السعادة في قلب الله، فأنشدَ أنشودة جاره النبي حين أحبّ الله فلم يقل إن الله في قلبه بل هو الذي في قلب الله. فاحتمل المصاعب بفرح وصمت، وسط عصر مضطرب، وزرع الامل في قلوب اللبنانيين.

اليوم يقف الزائرون على عتبة عنّايا خاشعين بأعداد متكاثرة، متيقّنين يوماً بعد يوم من عظمة قدّيس عنّايا، فيما المؤمنون يزداد عددهم يومياً، ليس بسبب معرفتهم به فقط وليس لأنّ أجدادهم أخبروهم عن مآثره، بل لأنّ «الختيار» يُثبت للبنانيين وللعالم يوماً بعد يوم أنه لم يعجز بعد عن فعل العجائب يومياً مع اللبنانيين وغير اللبنانيين من كلّ الاديان وكلّ البلدان، لتسقط مقولة إنّ القدّيس هو قدّيس الوطن الواحد.

أمّا قدّيس لبنان فلطالما تساءل: لماذا البشر يسيرون نزولاً ودربُ الربّ طلوع؟ مُطالباً الانسان بالتحَوّل الى محبّة، كي لا يموت، فقال لهم: «الناس يحملون أحمالاً وأعباءً كثيرة تحني لهم ظهورَهم، فأصبح جبينهم يلامس الارض ولم يعودوا قادرين أن يجلسوا ويقفوا ويرفعوا رؤوسَهم فيروا وجه ربّهم»

«عَم يجرّبوا يتحرّروا ويحرّروا بعضًن منها فيرمونها على بعضهم ويحمّلونها لبعضهم، فتصبح أحمالهم أثقل» مُذكّراً بأنّ المسيح هو الوحيد القادر على تحرير البشر من احماله الثقيلة لأن العبدَ لا يستطيع ان يحرّر عبداً آخر».

إعتبر شربل أنّ المسيحيين نور العالم، في عالم يغرق بالظلام، ودعاهم الى تحقيق هدف الله الذي خلقهم من اجله. أمّا عن سر تعلق اللبنانيين بهذا القديس فيخبر مؤسس عائلة مار شربل ريمون ناضر أنّ حياة مار شربل يكتنفها لغزٌ وسرّ اسمُه سر مار شربل، فما هو سرّ صمتِه؟ لم يعلم أحد! في الوقت الذي يجذب الإنسان كلّ ما هو غامض وغيرمعلوم.

ناضر: «القديس جذب العالم بصمته»

في المقابل، يقول ناضر إنّ باقي القديسين كانت حياتهم واضحة وسيرتهم طبيعية بالنسبة الى وقت الطعام والصلاة والقيلولة والخدمة والطاعة، فيما قدّيس عنايا لم يتكلم ولم يكتب ولم يعظ، بل جذبَ بصمته العالم. أمّا السر الثاني للقديس شربل فهو من خلال الظهورات والعجائب التي اثارت اللبنانيين وشدّتهم اكثر الى سرّه فتعلقوا به وطُرحت علامات استفهام من قِبل جميع الناس: لماذا الاعاجيب يومياً من قبل هذا القديس؟ ما الذي يريد إيصاله لنا؟

والعالم اليوم بحاجة قصوى الى الشعور بحضور الله، فهُم يريدون رؤيته والتأكّد منه ولمسه ليشعروا بالأمان، فاللبنانيون بشكل عام والمسيحيون بشكل خاص يشعرون بالقلق في هذا الشرق، فمن اين يأتون بهذا الايمان بعدما ادركوا أنّه لم يعد لديهم لا قوّة عسكرية ولا قوّة ديموغرافية، وباتوا اليوم بأشدّ الحاجة الى منقذ وإلى من يعطيهم الطمأنينة والرجاء ليسيروا إلى الامام في بحثهم عن حضور الله، وحين تعرّفوا الى قديس عنايا وجدوا أنه اكثر القديسين قدرةً على تلمّس وجههه، فأدركوا أنّ الله موجودٌ فعلاً، وآمنوا بقدرته من خلال شربل الذي يُظهِر الله بطريقته الجذّابة يومياً.

أمّا عن انسان اليوم، فيقول»ناضر» إنه يركض في قلب العالم وراء الرفاهية والجاه والشهوة والذهب، ليكتشف بعدها أنّ هذا كلّه خِدَع، فالمال خدعة والشهوة خدعة والاضواء ايضاً. فيما لم يحقّقوا مجتمعين للإنسان السلام الداخلي الذي يبحث عنه! فأتى هذا السلام الداخلي الذي لم يعرف العالم كيف يأخذه من الارض ومن الامور المادية، فقرّر الصعود لأخذِها من فوق عبر القدّيس شربل.

شربل قدّيس من عنّا

والقديس شربل بداخله طابع لبناني جداً أمّا مقولة انّ مار شربل قديس حزب أو طائفة، فيوضح ابو ناضر انّه في عنايا السنة الماضية ناولَ الكهنة مئة الف قربانة لمختلف الأطياف والمذاهب والأحزاب، ومَن منّا لا يذكر المؤمنين الذين كانوا يبحثون عن البخور في النبعة بين الوحول في 1977، اليوم التالي لأعجوبة مار شربل، عندما حوّل الحجارة الى بخور؟.

مار شربل في الصين

أمّا بالاضافة الى محبّة القديس شربل المطبوعة في قلوب اللبنانيين الذين شيّدوا له الكنائس في بلدان العالم، من استراليا واميركا والبرازيل والمكسيك وحتى الصين … فقد لمسَ القديس شربل الكثيرين من المؤمنين بالإضافة الى تجربتي ريمون ناضر ونهاد الشامي الشهيرتين واللتين اصبحت شهاداتهما على كلّ لسان، وهي موثّقة في كتب ومجلّدات، وقد جسّدت جميعها عمقَ الرسالة التي أراد شربل إيصالها الى ابناء المسيح يسوع، وهي دعوتهم ان يكونوا مكرّسين وقدّيسين في هذا العالم.

من بين الكثيرين الذين حاورَهم القديس شربل بصمته كان الكاتب والشاعر ومؤسّس رئيس المنتدى الثقافي والفنّي في لبنان، روجيه ضاهرية الذي يخبر عن علاقته مع مارشربل، فيقول انه يمتلك في منزله جميع كتب ما ر شربل والأفلام التي تتناوله، لكنّه لم يقرأها مرّة أو يشاهدها أو يستمع الى مواعظه، علماً انّه كان يزوره باستمرار كلّما ارادت عائلته القيام برحلات ترفيهية الى الجبل، وكان يشتري تلك الكتب بنفسه، إلّا انّه لم يقرأها يوماً.

ويكشف «ضاهرية» انّه قرّر في احدى الليالي الصعود مع عائلته إلى المحبسة، وكان الجوّ هادئاً وصامتاً، وهو قد درس اللاهوت لمدة 7 سنوات، فيقول: «دخلت المحبسة للصلاة، وعادةً لا أطيل الصلاة لأنّني اعلم انّ الله يعلم ما في القلوب، وخرجت أتأمّل، فسمعت صوتاً يقول: «حواراً مع مار شربل»

. حوار مع مار شربل، لتتكرّر هذه الجملة 3 مرّات فتلفّتُّ حولي ولم أرَ شيئاً، وأصبح لديّ فضول لمعرفة ما اذا كان هناك حوار فعليّ بين القدّيس وأحدٍ ما، فقصدتُ المكتبات والجامعات لأعلم إذا ما كان هناك مثل هذا الحوار، فلم أجده.

دفعَني فضولي للصعود مجدّداً إلى المحبسة، لأرى إذا ما كانت هناك رسالة من وراء الذي سمعتُه، فأحسستُ بعمق روحيّ في داخلي وبحالة تصوّف وصوتٍ داخلي يتكلم معي مجدّداً وأنا أحاوره، فذهبتُ الى البيت وكتبتُ الحوار كما سمعته، باللغة اللبنانية، كذلك كلّفني الأمر 14 زيارة إلى مار شربل. أدركت بعدها وجوب وضعِ حواري في كتاب، فكتبتُ الحوار كما هو وسمّيتُه «حوار مع مار شربل ».

وهو رسالة من مار شربل ومن خلالي للناس. وسجّلته على C.D. وكلّ مَن قرأ الكتاب من كبار اللاهوتيين وجد أنّ فحواه رسالة أو مجموعة رسائل إلى المؤمنين، والغريب انّني لم افكّر يوماً بأنّني سأضع كتاباً دينياً، فكيف عن مار شربل!!! فالامر مختلف حقّاً، فكيف اذا كان حواراً؟

وفي سنة 2010 تُرجِم الكتاب الى لغات عدّة، وانتشر في فرنسا، استراليا، كندا، المكسيك وأميركا، وكلّ انسان قرأه شعر بأنّه هو الذي يحاور مار شربل. وأعتقد أنّ الرسالة وصلت الى هدفها.

مار شربل والـ puzle

عملٌ مميّز للاستاذ روجيه ضاهرية الذي قصدَ الصين لتنفيذ لعبة للاولاد تتكلّم وترسم صوَراً للقديس، ليتعلّم من خلالها، ليس اطفال لبنان فقط، بل اطفال العالم، وهذه الـ Puzle موجودة في المكتبات اللبنانية، وقد نُفّذت في الصين.

ويقول الضاهرية إنّ الفكرة هي للأب جوني الراعي، أحببتُها وسمّيتها «إجمع وافرح مع يسوع» ووصلت منذ شهر إلى لبنان. هذه اللعبة موجودة في مكتبات عنايا، بقاع كفرا، وادي قنوبين، Saint thereze، المكتبة البولسية. هذه الفكرة الجديدة وضعنا في داخلها سيرة حياة القديس شربل في العربية والفرنسية والانكليزية والاسبانية وانتقينا 6 صور مشهورة لمار شربل قدّيس لبنان.

القديس شربل علامة فارقة

العجائبي اللبناني الفريد شربل مخلوف السكران بالله قدّيس عنايا «الختيار» تمتّع بروحانية عميقة، تميّزت فيها شخصيته فأصبحت حياة الاب شربل علامة ورسالة، والغريب أنّه لم يلفت الانظار في حياته وموته فقط، بل بأعاجيبه التي شكّلت جزءاً جوهريا من شخصيته المعنوية، وقد أحسّ اللبنانيون بحضوره الإلهي من خلال اعاجيبه، فشعروا بقدرته العظمى لشفاء جراح نفوسهم وعقولهم وأجسادهم، ومنذ العام 1926 كان رهبان عنّايا يسجّلون النعم الفريدة المنسوبة الى شفاعة القديس شربل.

أعجوبة في الدقيقة حول العالم

والجدير ذكره انّ مارشربل يحقّق ما معدّله اعجوبة في الدقيقة حول العالم، وهو القديس الاكثر انتشاراً في العالم بين القدّيسين جميعاً، وليس فقط القديسين اللبنانيين. عجائبه لا نهاية لها، حدودها وسرّها كسِرّه وسحره، وأعماقه صامتة، يتفجّر ايماناً وينابيعَ خلاص ورجاء وأمل… لم يستطع إلا الخالق سبرَ أغوارها.