ننشغل كلبنانيين، عادة، بالملفات الكبيرة، فالانتخابات الأميركية والفرنسية تعنينا، وكذلك التطورات في ايران والسعودية، وخصوصاً في سوريا، تحفر بنا عميقاً. ونتقبل التهاني باعادة انتخاب بشار الأسد رئيساً لولاية ثالثة، ولا نخجل من الشغور الرئاسي عندنا، ونبدي رأينا واستعدادنا للتدخل في تطورات المنطقة، فيما نعجز عن التغيير والاصلاح في كل وزارة وإدارة ومؤسسة وطنية.
لست أدري ما اذا كنا مفطورين على العالمية منذ أيام أجدادنا الفينيقيين، أم اننا نتلهى بأمور كثيرة من غير المطلوب وفق خطة مدروسة ومبرمجة، وضعها لنا مسؤولون تعاقبوا على السلطة، من أحزاب وميليشيات وأسياد طوائف ومذاهب، ومصالح، اغتصبوا تلك السلطة برضانا المعلن، وأطاحوا بحقوقنا في عيش كريم.
مرد هذا الكلام الى المسعى الذي يقوم به وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور بعزم قوي لخفض أسعار الأدوية. وقد قرأت في “نهار” الاثنين الماضي تحقيقاً عن الدواء في لبنان، يتحدث فيه نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون عن “الشركات العالمية التي تفرض في لبنان أسعارا تفوق ما هي عليه في فرنسا وبلجيكا بمقدار 40 الى 45%. واشار الى إمكان وجود “تركيبة مصالح مادية، سواء من ناحية الوكيل أو الطبيب، وربما المستشفى، لاستخدام الأدوية الباهظة الثمن التي توفر لهم ربحاً أكبر، بدليل اننا نلاحظ سياسة تسويقية مع الشركات والأطباء بما يخالف الآداب الطبية، حيال الاغراءات المادية التي تعرضها الأولى في مقابل استخدام الأدوية التي يسوّقها الطبيب”.
كلام هارون هذا توصيف دقيق لواقع الحال، الذي يتواطأ فيه التجار مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي لم يعترف حتى الساعة، ولم يسمح باستعمال أدوية الجنريك الأقل ثمناً والتي تعطي الفاعلية اياها، وربما أفضل.
والشركات المستوردة للدواء لا تحتج، ولا تطالب بالضغط على الشركات العالمية، لأن نسبتها من الأرباح تزداد مع الدواء الأغلى ثمناً. وهذه الشركات تتبع سياسة الجزرة مع الأطباء الذين غالباً ما يقضون اجازاتهم السنوية في الخارج، ويشاركون في مؤتمرات عالمية، من دون أن يتكبدوا من رصيدهم ليرة واحدة.
والمستشفيات ليست أفضل حالاً، والكل يعلم كمية الفحوص والأدوية والصور الشعاعية التي تضاف الى سجل المريض لتكبيد المؤسسات الضامنة التكاليف الاضافية.
ما يقوم به وزير الصحة عمل جبار، لا يجد الصدى والاهتمام الكافيين في الشارع اللبناني المنهمك هذه الأيام في أخبار المونديال و”داعش”.
وهو في مواجهة مع مافيات فاعلة، وربما يسقط رهانه على الفوز لمصلحة كل منا، اذا لم يجد من يؤازره، واذا مضى اللبنانيون كعادتهم مع جلاديهم.