لو ينصح السيد حسن نصر الله نفسه، كما ينصح أعداء لبنان والأمة، لكان لبنان بخير، ولكانت الأمة العربية بألف خير، ولكان «حزب الله« نفسه بخير، ولكانت مقاومته ما زالت «مقاومة« حقاً، في عيون الأمة من المحيط إلى الخليج، بدل أن تصبح «مقاولة« غارقة بدماء السوريين والعراقيين واللبنانيين.
نصر الله توجه إلى «الصهاينة« بنصيحة: «أنتم اليوم في غزة في دائرة الفشل في بيت العنكبوت فلا تذهبوا الى أكثر من ذلك الى دائرة الانتحار«. لكن ثمة من يُسقط هذه النصيحة على واقع «حزب الله«، ويرد على نصر الله بنصيحة مماثلة: «أنتم اليوم في سوريا والعراق في بيت العنكبوت، فلا تذهبوا إلى أكثر من ذلك، إلى دائرة الانتحار«.
الأجدر بنصر الله أن يكون حريصاً على «حزب الله« ولبنان، بقدر ما هو حريص على العدو الإسرائيلي، كي ينصحه بعدم الانتحار، إلا إذا كان بقاء هذا العدو هو «مصلحة استراتيجية« لمحور الممانعة والمقاومة، ولا يمكن لأحد أن يستغني عن الآخر، نظراً الى ما يجمعهما من مصالح تتقاطع سياسياً بضرب استقرار البلاد العربية، بما تيسر من سلاح وفتن.
والأجدر بنصر الله أن يتعظ هو أولاً من نصيحته، وأن لا يذهب أكثر في حربه الطائفية والمذهبية في سوريا والعراق إلى ما هو أبعد من الانتحار، وأقرب إلى تقديم الخدمات المجانية للعدو الإسرائيلي كي يبقى على قيد الحياة، لأنه لا شك يعلم أن العدو الإسرائيلي الذي يستفرد بغزة اليوم، هو المستفيد الأول، من الأجندة الإيرانية التي يلتزم بها «حزب الله«، والتي تسعر النار السورية، وتدمر الدولة العراقية، وتُعطل الدولة اللبنانية.
الأحرى بمن ينصح أن يستمع أيضاً إلى ما يُسدى إليه من نصائح، وآخرها دعوة الرئيس سعد الحريري إلى «كلمة سواء« تحقق انسحابه من «نفق الفتنة والفوضى« الذي أدخل لبنان واللبنانيين إليه، والعودة من سوريا والعراق إلى لبنان، وإعلاء راية «لبنان أولاً« بدل «إيران أولاً«.
أما تحميل القضية الفلسطينية وزر ما يخوضه محوره «الممانع« من «مغامرات مجنونة« في سوريا والعراق واليمن، ففيه ضرب من ضروب الاتجار البشع بهذه القضية المحقة، فهل ثمة من يقتنع أن معركة نصر الله دفاعاً عن بشار الأسد في سوريا هي من أجل فلسطين؟ أم أن معركة إيران دفاعاً عن مالكي الطائفية والمذهبية في العراق هي من أجل القدس؟ أم أن معركة إيران دعماً للحوثيين في اليمن ضد المملكة العربية السعودية هي من أجل غزة والضفة؟
يبدو أن نصر الله أضاع البوصلة، فطريق فلسطين التي لم تمر يوماً في جونيه، لا تمر بالتأكيد في القصير والقلمون والبصرة، وغيرها من المدن السورية والعراقية.
فعلاً، صدق من قال: «فاقد الشيء لا يعطيه».