جلسة مجلس النواب الاربعاء الماضي، حققت الهدف الذي نشده منها كل الذين شاركوا فيها، إذ أعطتهم خلاصة واقعية للمعادلات والأحجام والأرقام واستطراداً لامكان عقد التحالفات والتفاهمات لاحقاً.
فيما لم يستطع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أن يكتم طويلاً استياءه من خرق بعض حلفائه فيما كان يفترض انهم لن يتركوه في ميدانها وحيداً، فإن تيار “المستقبل” خرج من الجلسة بما يعتقد انه حد أدنى من الخسائر، لكنه خرج وهو على قناعة أكثر من أي وقت مضى بأن ايصال مرشح يختاره هو بالمطلق إلى قصر بعبدا أمر دونه مصاعب جمة وتعقيدات كبيرة، وتبين له أن عليه أن يعود إلى القناعة التي توصّل إليها بعد أشهر من الفراغ الحكومي، وجوهرها انه لا بدّ له من أن يتجرّع مجدداً الكأس المرة حتى الجمام والمتجسدة بابرام تفاهم مع خصومه لكي يؤمن وصول رئيس وفاقي إلى كرسي الرئاسة الأولى سواء كان ذلك ضمن المهلة الدستورية أو في أشهر قليلة خارجها.
هذا الاستنتاج توصّلت إليه الدوائر المعنية بموضوع الرئاسة الأولى وما يرافقها من ملابسات لدى قوى 8 آذار.
وتدلل هذه الدوائر على صحة ما تذهب إليه بالحراك الذي بدأه عضو كتلة “المستقبل” النائب روبير غانم، وأعلن فيه أنه مرشح “وفاقي”.
قوى 8 آذار كانت دائماً على قناعة بأن غانم هو المرشح “الاحتياطي الجاهز” لتيار “المستقبل”، إذا ما حان وقت التفاوض مع الفريق الآخر (8 آذار) للبحث عن طبخة رئاسية توافقية، فاسم غانم برز على هذه الصورة في الأشهر التي أعقبت مباشرة نهاية ولاية الرئيس اميل لحود في عام 2007.
المصادر عينها لا ترى ان هذا الاسم هو الأخير الذي يمكن فريق تيار “المستقبل” ان يقدمه لحظة انفتاح الباب جدياً أمام رحلة البحث عن رئيس توافقي، اذ بدأ يتناهى إلى مسامع قيادات في 8 آذار، وتحديداً “حزب الله” اسماء شخصيات أخرى قابلة لتكون موضع أخذ وعطاء ومساومة. وترى المصادر عينها ان جلسة الأربعاء الماضي، أطلقت يد تيار “المستقبل” وحررته من التزامات ومن إحراجات خصوصاً أمام جعجع، وبالتالي صار لزاماً عليها أن تفصح جدياً عن خياراتها الحقيقية وتحسم موقفها الآن أو لاحقاً.
وفي هذا الصدد ثمة من يذكر ان رئيس مجلس النواب نبيه بري همس في أذن رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب العماد ميشال عون خلال لقائهما في مجلس النواب، قبيل التوجه الى القاعة العامة للمجلس، ما فحواه انه “بات يتعين على تيار “المستقبل” ان يميط اللثام جدياً عن نياته تجاهك بعد ان يتحرر من دينه تجاه جعجع، واذا كان راغباً فعلاً في ولوج تسوية تبيح لك الانتقال من الرابية الى قصر بعبدا في الموعد المحدد، لأنه لم يعد هناك من مبررات بعد ذلك”. وبناء على هذه المعطيات فإن فريق 8 آذار صارت أمامه عشية جلسة الأربعاء الماضي صورة أكثر وضوحاً من ذي قبل حيال موضوع الاستحقاق الرئاسي في الاسابيع المقبلة، ومن ابرز عناصرها:
– ان القناعة التي كان هذا الفريق يؤمن بها منذ البداية وفحواها أن لا مجال ولا مكان الا لرئيس توافقي يكون على تواصل مع جميع الأفرقاء، قد بدأت تترسخ يوماً بعد يوم، وكانت جلسة الأربعاء الماضي فيصلاً عند الذين كان يخطر ببالهم امكان الاتيان برئيس صنع على شاكلة وصورة فريق بعينه.
– ان العماد عون هو اللاعب الاساسي في موضوع الاستحقاق الرئاسي ولا يمكن اطلاقاً تجاوزه في هذا المجال، فإما تفاهم معه من جانب الفريق الآخر يؤمن وصوله هو إلى سدة الرئاسة الأولى، وإما البحث معه جدياً في صيغ أخرى يرضى عنها أو يجدها ملائمة حاضراً ومستقبلاً.
ولعل العنصر الاهم في هذه المعادلة ان الحلف السياسي للعماد عون ثابت في خياراته، وماض معه حتى النهاية، خلافاً لما ظهر في ملعب الفريق الآخر، اذ لم يمر أكثر من 36 ساعة على ارفضاض جلسة الاربعاء في مجلس النواب حتى ظهر للعيان ان ثمة من تخلى عن ترشيح جعجع وبدأ يروج لشخصية أخرى من فريق 14 آذار كمرشح وفاقي، ما عنى للكثيرين ان جعجع سيصبح خارج حسابات تيار “المستقبل” لاحقاً.
– ان فريق 8 آذار ومعه التيار العوني قد خرجا عقب الجلسة الاولى من جلسات انتخاب رئيس الجمهورية باستنتاج فحواه انهما نجحا في “ادارة اللعبة” وان كل حساباتهما قد حققت نجاحات، لا سيما في مواجهة “هجمة” ترشح جعجع وما ينطوي عليه ذلك الترشح من اعتبارات وحسابات ماضية وحاضرة.
ان جلسة الاربعاء وما سبقها من تطورات سياسية قد اسقطت، برأي المصادر عينها، نظرية ان العنوان الاساسي لنجاح أي رئيس جديد هو مدى قدرته على مواجهة “حزب الله” أو مدى براعته في مناكفة هذا الحزب واستعداده للوقوف في وجهه. فهذا الشعار الذي اوحت به بعض العواصم وبعض السفارات معتبرة اياه باب العبور أو العودة الى قصر بعبدا جعل الكثيرين يضيعون البوصلة ويخوضون معارك ومغامرات مجانية تحت خانة انها عبارة عن أوراق اعتماد.
ولا ريب ان الدوائر عينها تقرأ بإمعان النهج الذي قابل به الوسطيون بقيادة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط جلسة الاستحقاق الرئاسي الاولى وكيف نجحوا في تجميع شتاتهم وكيف انهم ميزوا انفسهم وبالتالي خاضوا غمار الجلسة بمرشح واحد نجح في الحصول على نسبة من الأصوات تعتبر بالمعايير المعتمدة عالية، وهذه النتيجة هي بمثابة رسالة الى من يعنيهم الامر في الداخل عموماً وفي الخارج خصوصاً عنوانها العريض: نحن القوة المرجّحة في أية انتخابات مقبلة، وبالتالي فنحن مرجعية مهمة ومن يريد خوض غمار الاستحقاق يعرف عنواننا ونحن جاهزون للحديث.