فيما يعرف السياسيون كيف يلعبون على اعصاب بعضهم البعض فانهم في الوقت عينه يلحقون الضرر بالمصلحة العامة، لاسيما بالنسبة الى موضوعين حيويين واساسيين، اولهما انتخابات رئاسة الجمهورية التي ليس من يعرف الى اي اين هي سائرة على رغم انقضاء فترة شهرين على قانونية اجرائها. والموضوع الثاني الارجاء المتكرر لاقرار سلسلة الرتب والرواتب، الى درجة اعتبار الحدثين مفصليين، لانهما سيرتبان نتائج بالغة السلبية على الصعيد العام، الا اذا كان ثمة من يعتقد ان الرئاسة الاولى في آخر اهتماماته، لمجرد ان الرئاستين الثانية والثالثة في حرز حريز وليس من بوسعه التعرض لهما بكلمة لو؟!
واذا كان من مجال لقول كلمة حق في هذا الصدد، فان موضوع الرئاسة الاولى عالق لضرورات مسيحية – مسيحية، ما يجعل بقية المعنيين يشعرون وكأنهم غير محرجين بالنسبة الى المواقف التي تصدر عنهم ولها علاقة بالانتخابات الرئاسية مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام، اضافة الى موقف حزب الله وحلفائه من الموضوع، حيث يقاطعون جلسة الانتخابات بحجة ان القانون لا يلزمهم بالحضور، مع العلم ان امر النصاب مرتبط ايضا بمقاطعة التيار الوطني خصوصا وتكتل التغيير والاصلاح عموما، والا لن يكون معنى لتصرف الجنرال المتقاعد ميشال عون جراء المقاطعة من جهة وجراء عدم الترشح، ربما لخشيته من مواجهة حال من الفشل؟!
ان انتظار عون جواب رئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري لم يعد مقبولا، لان الاخير لو اراد الرئاسة لعون لما تأخر لحظة عن ابلاغ موقفه الى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والعكس صحيح، بعدما اثبتت التجارب ان الذين يريدون عون رئيسا لما كانوا قد توانوا لحظة عن اعلان موقفهم، فضلا عن ان عون بات يشعر وكأنه «فرس رهان محروق» بعد طول تجاذب على صعيد من هم معه ومن ليسوا معه، لان الامور لم تعد تحتاج الى من يغامر باعلان موقف مغاير لما يراه في صدد الانتخابات الرئاسية بحسب اجماع من بات يعرف ان عون سقط في امتحان لعبة الاعصاب؟!
لقد سبقت الاشارة الى ان الذين مع عون يؤمنون نسبيا بانه تخطى لعبة المحافظة على من معه من قوى نيابية، فيما يعرف خصمه جعجع ان من معه متمسك به وعلى استعداد لان يقاتل في سبيله، ولا يقل عدد هؤلاء عن اثنين وستين نائبا، فيما لا يقال مثل ذلك عمن هم مع عون.
تقول اوساط مقربة من رئيس مجلس النواب نبيه بري ان عون سبق له وابلغه انه على استعداد لان يحضر جلسة الانتخابات الرئاسية فور تفاهمه مع حزب الله ومع تيار المستقبل، لكن تبين في النتيجة ان الحزب لم يقل كلمة يفهم منها انه مع «الرئيس عون» فيما الذين مع «الحكيم» يعلنون ذلك صراحة ومن دون لف دوران بدليل تكرار بيانات قوى 14 اذار التي لا تجد حرجا في القول ان مرشحها هو سمير جعجع، طالما ان الاخير مصر على ترشحه، حيث لا بد من القول ايضا ان اصرار جعجع يكاد يشكل عقدة ذنب عند الذين يتولون مهمة «تسويق الجنرال – الرئيس بلا طائل»!
واذا كان من مجال لانتظار المزيد من الوقت الضائع لمعرفة نصيب عون في الرئاسة هناك من يرى ان الجنرال ليس في سياق السباق الرئاسي بعدما تأخر كثيرا عن ترشيح نفسه، كما تأخر حليفه عن تبنيه؟
وما تراه اوساط مقربة من عون هو عينه الذي تراه اوساط مقربة جدا من حزب الله الذي لا يزال يراهن على استعداد الجنرال للخوض في الترشح، مع العلم ان الحزب لن يبقى طويلا على صمته الخجول، من غير حاجة الى القول انه (الحزب) يمكن ان يطور موقفه السياسي باتجاه انتخاب جعجع الذي قال ما عليه قوله بالنسبة الى نظرته الى المقاومة والعلاقة مع سوريا وايران. الى الحد الذي يسمح بالقول ان جعجع قد حرق مسبقا اوراقه عند حزب الله، عندما اعلن صراحة انه ضد السلاح غير الشرعي (…)
الى الان يفهم ان جعجع غير محرج في حال خسر المعركة الانتخابية، فيما المؤكد ان عون محرج في حالين معا، الاولى انه خائف من ان يترشح والحال الثانية خوفه من ان يتركه حلفاؤه في منتصف المعركة، لانهم لا بد قد عرفوا مسبقا انه لن يصل الى قصر بعبدا بعدما جربوه في اواخر الثمانينات ولم يسمعوا منه غير عبارة يا شعب لبنان العظيم؟!