الخارجية اللبنانيّة.. واحتمالات إدانة «حزب الله» وسوريا!
ما هي أبعاد رسالة باسيل إلى المحكمة الجنائيّة؟
يبذل جبران باسيل جهوداً على مستوى لمّ شمل المغتربين بمؤتمرات ولقاءات، ويدفع قدماً ليكون لبنان أكثر تمثيلاً في المؤسسات الدولية، وهذا ما ظهر جلياً مع دعوة بعثة لبنان الدائمة في جنيف، خلال اجتماع مجلس حقوق الإنسان، إلى استصدار قرار حازم يدين الجرائم المروعة التي يرتكبها «داعش» وسواه من التنظيمات الإرهابية. وذلك بعد توجيه باسيل البعثة لعقد دورة استثنائية للمجلس من أجل البحث في الأوضاع المستجدة في العراق.
كذلك يحاول باسيل أن تلعب الخارجية اللبنانيّة دوراً محورياً في قضايا المنطقة بلجوئه إلى المحكمة الجنائيّة الدولية للتحقيق بالجرائم ضدّ الإنسانيّة التي ترتكبها إسرائيل في غزّة، أو تلك التي ترتكبها تنظيمات «القاعدة» و«داعش» و«جبهة النصرة» بحق المواطنين في العراق ولبنان والمنطقة بأكملها وتهجير المسيحيين من الموصل وسهل نينوى وجبل سنجار، من دون إغفال وقع زيارته العراقية.
ولعل أهميّة الكتاب الذي أرسله وزير الخارجية إلى المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية والدول الأطراف في «معاهدة روما» لتزويد مكتب المدعية العامة بالمعلومات والمعطيات حول مشاركة أفراد يحملون جنسيات هذه الأطراف بهدف مقاضاتهم، انّه أتى بعد أيّام قليلة من صدور القرار 2170 عن مجلس الأمن بهدف محاربة الإرهاب المتفشّي في سوريا والعراق.
ويمكن القول إن تحرّك «الخارجية» على مستوى المحكمة الجنائية هو الأوّل من نوعه، إذ يوضح الوزير السابق والخبير الدستوري سليم جريصاتي أن «هذه الآلية التي اعتمدت تدلّ عن سبقٍ وسابقة»، ويذكّر أن «المحكمة الجنائية أنشأتها معاهدة روما، واختصاصها يلائم تماماً ما حدث في غزة وما يحدث في الموصل، لأنه يشمل جرائم الإبادة والحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة».
لجوء باسيل إلى المحكمة لا يعني أن لبنان هو من الأعضاء الـ22، بل استطاع أن يجد آلية قانونيّة لإيصال كتاب الشكوى. فمواد نظام المحكمة من 13 إلى 15 ضمناً تحدّد كيفيّة تحرّك المحكمة في أي قرار، وقد استفاد وزير الخارجيّة من المادة التي تنصّ على أنّه يمكن للمدعي العام من تلقاء نفسه فتح تحقيق بمثل هذه الجرائم التي تتّصل بعلمه.
وهذا بالفعل ما حصل، وكانت هي المرّة الأولى التي تتحرّك فيها المحكمة من خلال كتاب يصلها من بلد غير عضو فيها. فما ان وصل كتاب الخارجية اللبنانية إلى المدعية العامّة فاتو بنسودا حتى وضعت يدها وردّت على الخارجية بطلب إعطائها المزيد من المعلومات والمعطيات.
وبالرغّم من ذلك، يريد باسيل أكثر: إمّا أن يتحرّك مجلس الأمن بطلب تحت الفصل السابع (مثلما حصل في السودان)، أو أن تتقدّم إحدى الدول الأعضاء في المحكمة والتي وصلها كتاب باسيل، بشكوى حول أحداث غزّة والعراق وسوريا.
في حين أن هذا الأمر لا يمرّ مرور الكرام بالنسبة لبعض القانونيين والسياسيين. هؤلاء لديهم الكثير من المآخذ على الرسالة، ويشيرون إلى أنّها تطرح مسائل عدة على بساط البحث: «لماذا لبنان غير عضو في المحكمة الجنائيّة؟ وهل يريد باسيل من خلال رسالته أن ينضمّ لبنان إلى المحكمة؟ وهل يشكّل هذا الانضمام، إذا ما حصل، خطراً على لبنان، خصوصاً أنّ لا تعريف واضحا للإرهاب في مواد المحكمة، وهذا يعني حكماً أن حزب الله على اللائحة؟ وهل تَحَرُّكُ المحكمة الجنائيّة سيكون رادعاً فعلياً للتنظيمات الإرهابيّة؟ ولماذا لم يقدّم باسيل طلباً إلى المحكمة لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة الذين ارتكبوا جرائم في لبنان قبل أن يتحرّك لأجل قضايا غزّة والعراق وسوريا؟».
كلّ هذه الأسئلة، وأكثرها يطرحها الاختصاصيون، ويضيف عليها الأستاذ في القانون الدولي والخبير في القانون الدولي الجنائي د. حسن جوني «أمراً خطيراً»، بحسب توصيفه. يشرح جوني: «انه عملاً بالمادة 13 من نظام المحكمة الجنائية، لا يحال إليها أشخاص أو منظّمات وإنما حالات، وبالتالي إذا طلب من مجلس الأمن التحرّك لمقاضاة الإرهابيين عملاً بالمادة 13 الفقرة ب، أو من المدّعي العام عملاً بالمادة 13 فقرة ج، فإن ذلك يعني إحالة الحالة السوريّة والعراقيّة إلى المحكمة الجنائيّة، تماماً كما حصل في الحالة الليبيّة».
يوضح جوني أنّ «هذا الأمر سيؤدّي إلى نتائج خطيرة على سوريا والمنطقة، خصوصاً أن أميركا والدول الأوروبيّة كانوا يحاولون دائماً إحالة الحالة السوريّة إلى المحكمة الجنائية الدوليّة ثم يصطدمون بالفيتو الروسي، كون هذه الدول تتهم الرئيس السوري بشّار الأسد بارتكاب جرائم حرب».
يشير جوني إلى أنّ «الجيش السوري لم يرتكب مثل هذه الجرائم، إلا أن الرأي العام الدولي لا يوافق على هذا الأمر، بالإضافة إلى أن إحالة الحالة السوريّة تعني حكماً إدانة حزب الله الذي يقاتل الجماعات الإرهابية في سوريا أيضاً بالطريقة نفسها»، متسائلاً: «هل المطلوب الالتفاف على الفيتو الروسي في مجلس الأمن باللجوء إلى المحكمة الجنائية عن طريق هذه الآلية».
يربط الخبير في القانون الدولي الجنائي زمنياً بين رسالة باسيل والقرار 2170، لا سيما أنّ مقدّمة القرار الدولي تتحدّث في إحدى الفقرات عن «إعادة تأكيد مجلس الأمن على وجوب محاسبة الأشخاص الذين ارتكبوا انتهاكات للقانون الدولي الإنساني، أو قاموا بخروقات أو تجاوزات لحقوق الإنسان في العراق وسوريا، أو كانوا مسؤولين عن ذلك بطرق أخرى».
وهنا يرى جوني أن «مجلس الأمن لم يحدّد الجماعات الإرهابية فقط»، ويسأل: «هل يتحمّل لبنان المسؤولية إذا ما أحيلت الحالة السورية بأكملها إلى المحكمة الجنائية؟ وبالتالي إمكانيّة مقاضاة الأسد وحزب الله؟».
في المقابل، يدحض الخبير الدستوري سليم جريصاتي الأمر، ويقول إن المحكمة الجنائية «تنشر اختصاصها» على كلّ من يرتكب جرماً أو فعلاً من الجرائم التي تنصّ عليها في نظامها، لتتمّ ملاحقته.
بالنسبة لجريصاتي، فإن «المحكمة تلاحق أشخاصاً طبيعيين مسؤولين، فهي تنشر الحالة كلّها أمامها لتختار منها المسؤولين عن هذه الجريمة أو تلك». وهنا نقطة الخلاف بين جريصاتي وجوني، وإن كانا يتفقان على مسألة «إحالة الحالة».
كما يوضح جريصاتي أن «القرار الدولي 2170 تناول أحداث العراق، والموصل تحديداً، واعتمد التوصيفات ذاتها التي استخدمها باسيل في رسالته، إذ اعتبر أن ما تقوم به داعش والنصرة والتنظيمات الإرهابية انتهاكات للقانون الدولي وتجاوزات لحقوق الإنسان، كما سمّى بالأسماء 6 أشخاص من داعش والنصرة».
وبعد هذا القرار، ما كان ينقص المجتمع الدولي إلا خطوة واحدة وهي نقل الملفّ إلى المحكمة الجنائيّة، وهذا ما فعله باسيل، وفق جريصاتي، الذي يشدّد على أن «قيام مجلس الأمن أو دولة عضو بإعطاء المزيد من المعطيات والمعلومات يدعم المدعي العام والقضية ككلّ معنوياً ومادياً».
أمّا بشأن فلسطين، فيؤكّد جريصاتي أنّ «إسرائيل حتى اليوم هي دولة غير عضو في المحكمة الجنائيّة لأنها تخاف صدور قرار بإدانتها، وبالتالي فإن الأولوية هي لإجبارها على الاعتراف بالمحكمة الجنائية ومن ثم إدانتها، وعلى الفلسطينيين تقديم ما لديهم من معلومات موثقة عن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزّة».
هذه النقطة يحذّر منها أيضاً جوني، الذي يفرق بين «قانون الحرب» و«القانون في الحرب». الأوّل يظهر المعتدي والمدافع عن نفسه، لكن في الثاني لا شيء يضمن ألا تقوم المحكمة الجنائية بإدانة حماس لاختلاف المعايير بيننا وبينهم بالنسبة الى مفهوم الإرهاب».
وزير الخارجية يتسلم مذكرة أميركية ودعوة سعودية
تسلم وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في الوزارة امس، من السفير الأميركي دايفيد هيل مذكرة عن تسليح الولايات المتحدة للجيش .
كما التقى باسيل السفير السعودي علي عواض عسيري الذي وجه له دعوة لحضور مؤتمر يناقش «الثورات العربية وكيفية محاربة الإرهاب»، يعقد في جدة الأسبوع المقبل. ورفض السفير السعودي التعليق على صحة ما يتم تداوله عن ضغوط إسرائيلية – أميركية من أجل وقف هبة الـ3 مليارات دولار السعودية للجيش.