من الآن وإلى تاريخ مهلة التحضير لإجراء الانتخابات النيابية قبل انتهاء الولاية الممدّدة للمجلس النيابي، لا يبدو أنّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيحصل، ولكنّ الأهم هو ما بعد الوصول إلى حقيقة الانسداد داخل النظام، ففي هذه المرحلة يبدأ طرح الأوراق المَطويّة على الطاولة.
لا تستبعد أوساط مُطلعة أن يصدر عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري دعوة للحوار في مجلس النواب، فهذا الحوار متوَقع، لكنّ الاستجابة له ستكون هذه المرّة مرفقة بحذرٍ واضح من طرح المؤتمر التأسيسي، وما يعنيه من تعديلات جوهرية في نصّ اتفاق الطائف، تفتح الباب أمام صراع جديد بين الطوائف، لإعادة رسم الأحجام داخل النظام، ولا يخفى أنّ المسيحيّين هم أوّل المتضرّرين من فتح هذا الباب.
أحد الخيارات في فريق 8 آذار هو ما عبّر عنه العماد عون الرافض للتمديد للمجلس النيابي، هذا الخيار يلقى ترحيباً داخل قوى 14 آذار، لأنّها تدرك أنّ المعارك الفعلية، إذا أُجريت الانتخابات وفق قانون الستين، ستخذل العماد عون المتراجع شعبياً بفعل أسباب تتصل بانكشاف معادلة أنا أو لا أحد، التي أدّت إلى فراغ في رئاسة الجمهورية، تماماً كما أدّت الى إقلاق الكنيسة والمسيحيين، بفعل تعطيل النصاب، ومحاولة ترتيب تفاهمات فوقية للوصول إلى الرئاسة على حساب المؤسسات الدستورية.
في خيار الذهاب الى التشديد على إجراء الانتخابات، هل سيعود العماد عون الى طرح القانون الأرثوذكسي لإحراج مسيحيّي 14 آذار، وماذا عن خطة قوى 14 آذار في هذه الحال؟ الواضح أنّ قوى 14 آذار، تجد صعوبة في استنساخ تجربة التفاهم على الملف الرئاسي، في موضوع قانون الانتخاب، لكنّ ما سيتغيّر الآن سيأتي على الأرجح من الضفّة الأخرى، إذ يستعدّ العماد عون للقبول بالانتخابات وفق قانون الستين، معطياً الرئيس سعد الحريري دفعة جديدة على الحساب، على طريق التمهيد لانتخابات جديدة يُعتقد أنّها ستغيّر في موازين القوى، ما سيفرض في النهاية انتخابه رئيساً للجمهورية.
إذا نفّذ عون مرة ثانية مناورة الأرثوذكسي، لاستثماره في انتخابات تجرى على أساس الستين، فإنّ ذلك، وحسب كلّ استطلاعات الرأي، لن يؤدي إلى تعديل موازين القوى لصالحه، أو في تأهيله كمرشّح مسيحي أوّل وقوي للرئاسة. فكلّ الاستطلاعات تعطي مسيحيّي 14 آذار في الأقضية الحسّاسة أفضليات واضحة، من الكورة إلى البترون، إلى كسروان التي بات الخرق فيها مؤكّداً، إلى المتن الذي ضعف فيه عون، إلى الأشرفية وزحلة اللتين ما زالت قوى 14 آذار فيهما الأقوى.
وصلت محاولة عون استمالة الرئيس سعد الحريري إلى أقصاها. تقول معلومات إنّ عون قال الأمور بصراحة في لقائه بالحريري. فلقد طرح عودة معادلة إميل لحود رفيق الحريري، التي كانت الوجهَ الآخر لمعادلة توزيع الملفّات، بحيث يتولى الحريري الاقتصاد، ويتولى حزب الله الأمن، وتكون كلّ من إيران والسعودية في خلفية المشهد ومقدّمته متى دعت الحاجة. ليس سرّاً أنّ الحريري رفض هذه المعادلة، وقال للعماد عون إنّ ما يطرحه الآن، أدّى في السابق الى استشهاد رفيق الحريري، وأنْ لا مكان لهذه التسوية، «لأننا نطرح مشروع لبنان أوّلاً».
فشلَ العماد في عون في تركيب تفاهم حقيقي مع الحريري، لكنّه ما زال يأمل أن تكون أشهر الفراغ فرصة لتحسين ظروف ترشيحه للرئاسة، من خلال إجراء الانتخابات النيابية، ونَيل أكثرية، ومحاولة العودة بمظهر الرئيس المسيحي القوي.
من اليوم وإلى ذلك التاريخ، سيستمرّ الفراغ، على شكل شللٍ تدريجي في السلطة التشريعية والتنفيذية، وتوتير أمنيّ يستبعده مراقبون، ويتوقّعه الخائفون من فرض حوار يؤدّي إلى تعديل اتّفاق الطائف.