إذا لم يكن وراء أكَمَة التعطيل ما وراءها “مبادرة” جعجع تصلح للخروج من الأزمة
إلى متى يظل اللبنانيون يعدّون جلسات انتخاب رئيس للجمهورية ولا انتخاب لأن “حزب الله” ومعه العماد ميشال عون لا يخوضان معركة انتخابات وفقاً للدستور إنما معركة تعطيل النصاب وهو ما فعلاه في الماضي بدليل أن نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم قال بصراحة: “إن كل المؤشرات تدل على انه لا إمكان لانتخاب رئيس من دون توافق، وان تأخير الطرف الآخر للتوافق عناداً، يعني ان شغور الرئاسة سيستمر طويلاً وطويلاً”… وكان الحزب قد هدد عند تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام قوى 14 آذار بأن تنتظر طويلاً إذا لم توافق على شروط الحزب وحلفائه، إلى أن جاءت كلمة السر فتم تشكيلها ولكن بعد مرور أكثر من عشرة أشهر. فكم من الأشهر سينتظر اللبنانيون ليصير اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية وبعد أن يكون لبنان قد دفع غالياً ثمن التناحر وتقويم الكلام، وهل يرضى العماد عون بأن يكون قرار انتخاب رئيس الجمهورية في يد طرف واحد خلافاً لما كان في الماضي إذ أن الموارنة بطرفيهم الموالي والمعارض كانوا يسمون مرشحهم للرئاسة والصوت المسلم هو الوازن، وهو ما حصل بين المرشحين كميل شمعون وحميد فرنجيه عندما رجّح الصوت المسلم فوز شمعون، وما حصل أيضاً بين أركان “الحلف الثلاثي” والشريك المسلم إذ اختارت المعارضة يومذاك المرشح الوسطي سليمان فرنجيه منافساً لمرشح النهج الشهابي الياس سركيس الذي خسر الانتخابات بصوت واحد، فتجلت الديموقراطية يومئذ بأبهى مظاهرها.
أفليس “حزب الله” ومعه العماد عون يتحملان مسؤولية تعطيل نصاب الجلسات للحؤول دون انتخاب رئيس للجمهورية ما لم يكن مقبولاً منهما، وما هو ردّ الحزب ومن معه على مبادرة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع للخروج من أزمة التعطيل والانتخاب وهي أن يترشح عون منافساً له أو تسمي قوى 8 آذار مرشحا تعتبره توافقيا ينافس مرشحا توافقيا لقوى 14 آذار وترك الكلمة الفصل للنواب، فمن ينل منهما الاكثرية النيابية المطلوبة يعلن فوزه، او البحث في اي اقتراحات اخرى لأن المهم الخروج من الأزمة.
الواقع أن قوى 8 آذار إذا لم تقبل بهذه المبادرة أو لم ترد عليها بمبادرة أخرى فيكون وراء أكمة التعطيل والانتخاب ما وراءها، وما يؤكد ان الحزب ومن معه يعملون على دفع البلاد نحو فراغ شامل لا خروج منه إلا بعقد مؤتمر تأسيسي يضع نظاماً جديداً للبنان بحجة أنه يكون انصافاً وعدالة في توزيع الصلاحيات على السلطات.
إن مبادرة الدكتور جعجع يجب أن تكون موضوع بحث ومناقشة إذا كانت النيات صافية والارادات صادقة وحرة وغير مرتهنة لأي خارج، خصوصا بعدما بات واضحاً ان لا رئيس توافقيا مقبولاً في 8 و14 آذار نظراً الى ما بين اقطابهما من مناكفات ومشاحنات واتهامات لا يمكن التخلص من رواسبها بأسابيع، وبمجرد أن يتحول فجأة من كان ذئباً إلى حمل… فليس سوى الاتفاق على مرشح تنطبق عليه فعلاً لا قولاً صفة التوافق ليفوز بالتزكية، وإذا تعذّر ذلك فليكن لقوى 8 آذار مرشح توافقي ينافس مرشح قوى 14 آذار وللنواب أن يقولوا كلمتهم فيهما. وعندما ينتقل البحث جدياً من مرشحين يصفهم البعض بالاستفزازيين والتصادميين الى مرشحي توافق مؤهلين للحوار مع الجميع والانفتاح على الجميع وليس في ماضي علاقاتهم الشخصية والسياسية ما يثير الريبة والشكوك، فإن الباب يصبح مفتوحاً للخروج من أزمة التعطيل وأزمة الانتخاب الرئاسي التي إذا ما طالت فسوف يكون لها انعكاسات سلبية على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية. ومن جهة أخرى، فإن تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية الشاملة بات ضرورياً، كي يتخلص لبنان من كل آثار الماضي ورواسبه ومآسيه ولا تخلصه منها مصالحات ثنائية أو ثلاثية، ويمكن أن تقوم هذه المصالحة على أسس معادلة الـ”سين – سين” وأهمها: العفو عن مرتكبي جرائم الاغتيال ولاسيما جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في مقابل قيام الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، فلا تكون دولة سواها ولا سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها، وتكون دولة تلتزم الحياد حيال صراعات المحاور تطبيقاً لـ”إعلان بعبدا”. وبتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية الشاملة على هذا الاساس تطوى صفحات الماضي بكل آلامها ومآسيها وتفتح صفحات جديدة مع قيام لبنان الجديد.
لذلك مطلوب انتخاب رئيس للجمهورية مؤهل وقادر على تحقيق ذلك، لأن من دون هذه المصالحة التي طال أمد البحث في تحقيقها قد لا يبقى لبنان سيداً حراً مستقلاً ولا تقوم فيه الدولة القوية القادرة والعادلة.