Site icon IMLebanon

مبادرة عون تدخل إلى المجلس النيابي: انتخاب الرئيس من الشعب تكريس لـ«الطائف»

ما يزال العماد ميشال عون قادراً على فرض إيقاعه في الموضوع الرئاسي. لا أحد حتى الآن، من حلفاء وخصوم، يعرف كيف يمكن تخطي الرابية وقلب الطاولة في وجه عمادها. باليد التي بالكاد يستطيع تحريكها بعد الكسر الذي طال كتفه الأيمن، وقّع عون اقتراح القانون الذي يحوّل «المبادرة» التي أعلنها في 30 حزيران إلى أمر واقع. بعد شهرين، من السجالات في شأن هذه المبادرة، انتقلت إلى مرحلة أخرى. صارت اقتراحاً لتعديل الدستور موقعاً من عشرة نواب هم: ميشال عون، ابراهيم كنعان، ادغار معلوف، سيمون أبي رميا، عباس هاشم، نبيل نقولا، فادي الأعور، حكمت ديب، غسان مخيبر وناجي غاريوس.

يقتصر الاقتراح على مادة وحيدة تنصّ على تعديل المادة 49 من الدستور، وتحديداً الفقرة المتعلقة بآلية انتخاب رئيس الجمهورية (ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي)، بحيث تصبح «ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشعبي المباشر على دورتين: دورة تأهيلية أولى يختار فيها المواطنون اللبنانيون من مختلف الطوائف المسيحية منافسين اثنين لموقع رئاسة الجمهورية وفقاً لترتيب عدد الأصوات التي ينالها كل المتنافسين، ودورة ثانية ينتخب فيها المواطنون اللبنانيون على اختلاف طوائفهم المسيحية والإسلامية رئيساً للجمهورية من المرشحين الاثنين اللذين تأهلا في الدورة الأولى. يعتبر فائزاً الأكبر سناً عند تساوي الأصوات. يفصل بين الدورتين الأولى والثانية أسبوع واحد فقط على أن تتمّ الدورتان في مهلة أقصاها ستون يوماً قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية. وفي حال خلوّ سدة الرئاسة خلال الولاية الرئاسية، لأي سبب كان، يجري الاقتراع الشعبي المباشر لرئيس الجمهورية وفقاً للآلية المذكورة في مهلة أقصاها ثلاثون يوماً، اعتباراً من تاريخ حصول الشغور. تدوم الولاية الرئاسية 6 سنوات وهي غير قابلة للاختصار (إلا في الحالات المنصوص عنها في الدستور) أو التمديد بأي من الأحوال».

قلة من «14 آذار» أخذت خطوة «تكتل التغيير» على محمل الجدّ. وهم كما تعاملوا مع المبادرة الشفهية، باعتبارها هروباً إلى الأمام وسعياً إلى رمي تهمة التعطيل عن كاهله، يتعاملون مع الخطوة النيابية.

يعرفون أن الحديث عن تعديل الدستور في هذا الوقت هو أشبه بمزحة سمجة، معتبرين أنه إذا أمكن حضور ثلثي عدد النواب لتعديل الدستور، فمن الأولى أن ينتخبوا رئيساً للجمهورية بدلاً من الاستمرار في التعطيل.

صارت مواقف «14 آذار» معروفة: المبادرة خيطت على قياس ميشال عون، ليست تعديلاً للدستور فحسب إنما تعديل للنظام من خلال تحويله من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، تميّز بين المواطنين بحيث يعطى الحق لبعضهم لينتخب مرتين فيما البعض الآخر يحق له الانتخاب مرة واحدة.. والأهم أن في «14 آذار» من يرى أن هذا الاقتراح فيه من التهور ما يفتح الباب أمام أي تعديلات تطالب بها فئات أخرى.

سمع نواب «تكتل التغيير» كل هذه الملاحظات، لكنهم أكملوا طريقهم باتجاه مجلس النواب، بحجة الحفاظ على المناصفة الفعلية. اعتبروا أن الحديث عن مبادرة على قياس عون لا يقلل من أهميتها، إنما يشكل اعترافاً بأنه الأقوى شعبياً. مع ذلك، لم يرد هؤلاء على ما تردّد عن خلل في المبادرة ينتج عن إمكانية عدم وصول المرشح الذي نال أكبر عدد من الأصوات مسيحياً إلى سدة الرئاسة. ذلك أمر ممكن، فلو أخذ أحد المرشحين الأولين 40 بالمئة من الأصوات ونال الثاني 10 بالمئة، ثم انتخب على الصعيد الوطني، هل تكون الإرادة المسيحية قد احترمت عندها؟ وهل يمكن التشكيك في تمثيل هذا الرئيس؟

قد يحمل النائب ابراهيم كنعان، في المؤتمر الصحافي الذي يعقده اليوم بعض الإجابات على هذه الأسئلة وغيرها، إلا أن المهمة الأساسية ستكون التأكيد أن الاقتراح سلك طريقه الدستورية، وبالتالي صار لا بد من التعامل معه بالطرق الدستورية، قبولاً أو رفضاً. بالنسبة للـ«التكتل»، فإن تقديم الاقتراح هو الخطوة البديهية التي تؤكد جديته في السعي للخروج من حالة المراوحة الرئاسية، نحو أفق يعيد للشعب حقه في الاختيار. هؤلاء يُبدون حرصهم على تأكيد أن الأولوية في الاقتراح ليست طائفية إنما ديموقراطية، أما الحديث عن دورتين فهو ليس بالنسبة لـ«التكتل» سوى احترام للنظام الطائفي. لا يرى العونيون في اقتراحهم تخطياً للدستور أو تعديلاً للطائف، إنما «آلية اقتراع بروحية الطائف» لا أكثر ولا أقل.

أفكار ثلاث جعلت الاقتراح العوني يأخذ طريقه إلى الأمانة العامة لمجلس النواب، بحسب موقعين على الاقتراح:

– عجز المجلس النيابي تاريخياً عن انتخاب رئيس يجسّد الإرادة الشعبية التي يفترض أنها أعطت النواب الوكالة لتمثيلهم، فإذ بالتسويات هي التي أتت بالرؤساء قبل الطائف وبعده، مع قضاء المحادل والكتل على الخيارات الشعبية.

– الخلل المستمر في التمثيل المسيحي في المجلس النيابي، بحيث تحوّل معظم النواب المسيحيين إلى تابعين للكتل الطائفية الأخرى.

– إيجاد الحل لأزمة يمكن أن تتكرر مع كل انتخاب، بحيث يعطي الاقتراح ديناميكية جديدة لعملية الانتخاب، مع ما يتبعها من تعزيز لموقع الرئيس وحضوره.