استمعت الى “مبادرة” الجنرال ميشال عون التي أطلقها البارحة واقترح فيها انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب بالاقتراع المباشر على مرحلتين، الأولى تأهيلية على مستوى المسيحيين، والثانية على المستوى الوطني. واستمعت اليه يقول إن الأمر يحتاج الى تعديل دستوري محدود! وكنت استمعت اليه قبل مدة عندما قدّم طرحاً دعا فيه الى حصول الانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية بهدف إعادة تكوين السلطة! في المقترحين بدا لي الجنرال ميشال عون عاملاً على إطالة أمد الشغور الرئاسي أكثر منه عاملاً على معالجة أزمة الشغور التي تصيب في ما تصيب أساس الثقل المسيحي في البلاد. وإذا سلمنا بأن الجنرال يعمل على تحسين التمثيل المسيحي حتى لو اقتضى الأمر تأجيل الانتخاب الرئاسي، فإن المقترحين لا يرتقيان الى مستوى المبادرة الجدية التي تستأهل فتح نقاش حقيقي حولها، لخروجهما عن سياقات الواقع اللبناني الراهن الذي يمنع كل حديث أجدياً كان أم لا يتناول إحداث تغييرات جذرية في النظام اللبناني، في مرحلة تتصف بأعلى مستويات التوتر المذهبي والطائفي في ما بين المسلمين، قبل أن يكون بين المسلمين والمسيحيين.
لن يؤخذ كلام الجنرال ميشال عون البارحة على محمل الجد، ولن يتوقف عنده الأفرقاء الجديون على الساحة اللبنانية. سيعتبره كثيرون بمثابة تعبئة للشغور الرئاسي المصطنع بكلام لا يفهم منه سوى أن قراراً بمنع حصول الانتخابات الرئاسية اتخذه فريق في البلاد في محاولة منه لفرض رئيس من صفوفه. والجنرال ميشال عون مكوّن أساسي من مكونات 8 آذار التي يقودها “حزب الله” وتتحالف مع النظام في سوريا. هكذا يجب أن ينظر الى “المرشح” ميشال عون: مرشح 8 آذار غير الوفاقي.
إذاً عون جزء من الانقسام السياسي العميق، مما يمنعه حكماً من أن يكون مرشحاً وفاقياً وتوافقياً لرئاسة الجمهورية. إنه مرشح لغلبة فريق على آخر في لبنان. وفي ظل الصراع الكبير الدائر على صعيد المنطقة لا يمكن أن يكون الرئيس المقبل خارجاً من صفوف التحالف الذي تقوده طهران في المنطقة.
ان انتخاب الرئيس من الشعب على مرحلتين كما دعا عون، معناه تغيير النظام برمته، وهذا مستحيل في هذه المرحلة، وبمقترحات سطحية ومجتزأة لا تأخذ في الاعتبار رأي بقية المسيحيين، ولا رأي المسلمين المعنيين بنتائج تغيير النظام الحالي..
ولكن يبقى أن السعي الى بلوغ السدة الرئاسية يحتاج ليس الى المسلمين فحسب، بل، وهذا الأهم، الى رأي المسيحيين. ومشكلة عون الذي يقدم نفسه توافقياً مع المكونات الاسلامية انه لا يزال يمتنع عن محاولة احداث اختراق حقيقي في جدران الانقسام المسيحي. فأين مبادرته لجمع الشمل المسيحي؟
سيطوي النسيان مبادرة الجنرال ميشال عون تماماً كما طوى مئات الشعارات التي أطلقها منذ “حرب التحرير” فـ”حرب الإلغاء” وصولاً الى “الإبراء المستحيل”!