اذا كان تفجير الضاحية المنزوع المسؤولية بخلاف ما سبقه من التفجيرات الممهورة تارة بتوقيع «داعش» وأخرى لـ»أحرار السنة»، اتخذ ابعادا خطيرة من زاوية توقيته نسبة لحصوله بعد ثلاثة ايام على تفجير ضهر البيدر على رغم الاجراءات الامنية المشددة خصوصا في المنطقة المستهدفة، فان الاستنفار السياسي الذي خلفه الخرق الامني للساحة الداخلية لا سيما على مستوى دول القرار الخارجي التي تبدو انها انتقلت من مرحلة «تجميد الوضع اللبناني في ثلاجة الانتظار» الى التحرك لمعالجة ازماته، وفي مقدمها انتخاب رئيس جمهورية وهو ما عكسته المواقف المعلنة لبعض المسؤولين المتضمنة دعوات متكررة للبنانيين لانجاز الاستحقاق سريعا وآخرها للامين العام المساعد للشؤون السياسية جيفري فيلتمان الذي قدم احاطة امام مجلس الامن الدولي تناولت الوضع في الشرق الاوسط، وكان للبنان حصة فيها، اذ اعتبر «ان المهلة الدستورية لانتخاب رئيس انتهت في 25 ايار الماضي وانتقلت الصلاحيات الرئاسية الى مجلس الوزراء بقيادة الرئيس تمام سلام وفقا للدستور وعقدت 7 جلسات نيابية، الا انه لم يتم تأمين النصاب، من هنا، نشدد مجددا على ضرورة ان يؤمن القادة اللبنانيون انتخاب رئيس من دون تأخير، كما نشدد على اهمية ان تمارس الحكومة مسؤولياتها في شكل فاعل».
وكان فيلتمان طلب من المستشارة السياسية والاعلامية للرئيس السوري بثينة شعبان خلال لقائهما في اوسلو عدم عرقلة سوريا انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان.
حراك فرنسي
والى مواقف فيلتمان التي ابرزت قوة الدفع الخارجي لتسهيل الاستحقاق اللبناني، توقفت مصادر سياسية مطلعة عند ابعاد الحراك الفرنسي في الاتجاه اللبناني وتحديد مواعيد سريعة لشخصيات لبنانية طلبتها من مسؤولين فرنسيين وفي مقدمها الرئيس سعد الحريري الذي سيجتمع بوزير خارجية فرنسا لوران فابيوس للتشاور في التطورات الاقليمية والوضع اللبناني، ورئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط الذي تحدثت الاوساط عن انه طلب لقاء مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند تمت تلبيته سريعا بهدف اجراء جولة افق حول اوضاع لبنان وازمته الرئاسية. وذكرت المصادر هنا بسيناريو العام 2008 حينما كلفت فرنسا وقطر دوليا بوضع حد للفراغ الرئاسي في لبنان والعمل على انتاج رئيس بعد حوادث 7 ايار الشهيرة، متسائلة عما اذا كانت فرنسا كلفت مجددا بالمهمة بدفع فاتيكاني بعد التفجيرات الارهابية التي تضرب لبنان خصوصا ان العاصمة الفرنسية تشهد حراكا لبنانيا وغربيا محوره الازمة الرئاسية، حيث تعقد لقاءات بين مسؤولين لبنانيين واخرى بين بعض هؤلاء ومسؤولين فرنسيين واميركيين، علما ان مسؤولا قطريا موجود راهنا في فرنسا التي كانت تحركت في مرحلة غير بعيدة في اتجاه السعودية وايران المعنيتين مباشرة بهذا الملف
اقناع عون
واشارت المصادر الى ان التركيز ينصب راهنا على ضرورة اقناع رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون بالانتقال من مرحلة المرشح الى الناخب، متحدثة عن ان مكونات 8 اذار باتت على قناعة بضرورة السير بمرشح توافقي، بعدما لمست استحالة وصول عون. واوضحت ان اجتماعات عقدت داخل هذا الفريق اعقبتها حركة اتصالات مع اكثر من طرف في الداخل والخارج لانجاز هذه المهمة، وحضر الامر في خلال لقاء الحريري ? جنبلاط الاخير الذي نقل مضمون مداولاته الى الرئيس نبيه بري الوزير وائل ابو فاعور امس واكدت ان اكثر من رسالة وصلت الى الرابية بهذا المعنى لم يتم التجاوب معها حتى الساعة، ولم تستبعد ان يزورها قريبا احد الديبلوماسيين الغربيين للغاية نفسها، خصوصا ان الواقع الامني بدأ يضغط على الوضع السياسي ملامسا حد الخطورة. وعزت المصادر التوجه الغربي الى قناعة تكونت لدى الغرب ان اي تحرك في اتجاه انتاج رئيس يجب ان يمر من بوابة اقناع عون بالعدول عن ترشحه.
جعجع في بكركي
وليس بعيدا من هذا المحور، لفتت زيارة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى بكركي اليوم (امس) حيث اجتمع مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي واعلن ان «غبطته» لم يتمكن من اقناع الجنرال بحضور جلسات الانتخاب، مؤكدا اننا في حرب الغاء على موقع الرئاسة ولا احد يحق له تعطيل البلاد في سبيل زيادة حظوظه الرئاسية. واوضح ان البطريرك مستمر في اتصالاته الى حين التوصل الى حل.
نمطا تفجير
وسط هذه الاجواء، اعتبرت اوساط سياسية مراقبة ان تفجيري ضهر البيدر والطيونة يعكسان نمطين من التفجيرات بما يرجح فرضية ان الجهة التي تقف خلفهما ليست واحدة، خصوصا اذا ما تم ربطهما بتوقيفات الحمرا يوم الجمعة الماضي، ولاحظت ان جهتين تستفيدان من الخرق الامني ولكل هدفها الاولى للتأكيد بامساك الورقة الامنية في لبنان والتأثير على الملف الرئاسي والثانية ردا على تدخل حزب الله في سوريا بعد التمدد «الداعشي» في العراق والانتفاضة السنية على نظام رئيس الحكومة نوري المالكي. ولاحظت الاوساط ان أمر عمليات صدر اقليميا بتسديد ضربات للساحة اللبنانية لاهداف معينة، نظرا لحساسيتها ولكونها تحظى برعاية دولية، مشيرة الى ان هذه الجهات تدرك تماما ان الامن في لبنان سياسي وليس امنيا فاستغلت لحظة الفراغ الرئاسي والكباش السياسي الحكومي والتعطيل المجلسي لتحقيق مآربها. الا ان دول القرار الخارجي التي يبدو تفرغت من بعض الملفات التي تشغلها ومن بينها الملف الكيميائي السوري، تنبهت الى المخطط الجهنمي وسارعت الى معالجة الوضع اللبناني من بوابة ارساء الاستقرار السياسي عبر تخفيف حدة التشنج وتأمين المناخ الملائم لتفعيل المؤسسات وتفعيل دورة الحياة في ادارات الدولة، بما يكفل استعادة الاستقرار بحده الادنى، على ان يتوج باتفاق سياسي بين القوى الداخلية ينتشل البلاد من دوامة الانخراط في الصراعات الخارجية.
لقاءات باريس
وأدرجت لقاءات باريس لا سيما بين الحريري وفابيوس والحريري ووزير الخارجية الاميركي جون كيري وجنبلاط والرئيس هولاند، اضافة الى الحريري والرئيس ميشال سليمان في هذه الخانة، خصوصا ان المهل الدستورية بدأت تتآكل وتوجب وضع حد للفراغ قبل 20 اب موعد دخول مدار الاستحقاق النيابي.
مجلس الوزراء
وفي السياق، يستأنف مجلس الوزراء جلساته الاسبوعية غدا الخميس بعدما تم الاتفاق في شكل شبه نهائي على آلية ومنهجية العمل في ظل الفراغ الرئاسي من خلال انتداب كل فريق سياسي وزيرا يوقع المراسيم الى جانب رئيس الحكومة، على رغم بعض الاعتراضات المتصلة بعدم احقية الوزير بالتوقيع عن زميله. واكد الوزيران عبد المطلب حناوي ومحمد فنيش لـ»المركزية» الموافقة على الالية في حين اشار عضو تكتل التغيير والاصلاح النائب فريد الخازن الى ان التيار وافق على السير بها، بما يعني ان العقبات التي حالت دون دوران عجلات الحكومة مجددا قد ذللت، الا اذا استجد طارئ خلال جلسة الخميس يعيد الامور الى المربع الاول.