ـ 1 ـ
… في انتظار كارثة أو معجزة، كل خطوة تقع في مسافة بين التحقق وعدمه: من نجاح مفاوضات هدنة غزة في القاهرة، إلى استبدال المالكي بالعبادي في بغداد، وانتخاب رئيس جمهورية في لبنان، ووجود برلمان ودولة في ليبيا… وحتى تشكيل السيسي قوة حماية عربية ضد داعش، أو هجومه باتجاه الغرب.
كل شيء يسير لكن على نحو لا تصلح معه تأويلات مضغتها المنطقة في 6 عقود. السوس في بنية لحظة التخلص من الاستعمار واستبدالها بوكالات محلية (حكام وأمراء طوائف) تبني جماهيريتها على «عداء المستعمر» (بقديمه وجديده) وتعمل سراً أو عبر شبكة غامضة ومعقدة وفق عقد يصل أحياناً إلى «الوكالة»، وأحياناً «التحالف»، ودائماً من أجل فرصة لتكوين طبقة سياسية تحكم «استعمارها» من دون «براغماتية» المستعمر في صنع دول أو كيانات سياسية قادرة على أداء الخدمات بكفاءة.
حالة انتظار ما لا يجيء (كارثة أو معجزة)، وهي نتاج طبيعي لتآكل «المجتمع» في ظل رحلة السلطة للتفريغ السياسي التي أفضت إلى توقف نمو الشعوب عند حالاتها الطائفية/القبائلية… وفي المقابل تضخم السلطة إلى حالة الديناصور الفارغ…
وهذا ما يجعل الانتظار مدمّراً من غزة إلى طرابلس، ومن الموصل إلى القاهرة، مروراً ببيروت ودمشق… تتحقق خطوات لكنها ضد المسار العمومي… فتبدو أنها لم تتحقق.
ـ 2 ـ
على أي أساس الهدنة في غزة؟ أو كيف تدير الدول العربية حربها ضد داعش؟ وكيف ستحل أزمة الرئيس في لبنان؟ كل الحلول تميل إلى «تلصيم» بالتعبير المصري أي شيء بين جبر الكسور وتركها تسير بدفعها الذاتي… أو بقوة لا يمكن قياسها بمعايير متفق عليها.
وهناك إدراك أن ما يحدث على السطح لا يعبّر عمّا يفور به الواقع… والمسافات تتسع بين ما يحدث والخطابات المتنازعة على التعبير عن الحدث… وهنا تضيع الإمكانات في محاولة صنع «احتفال» أو «الوصول إلى النهاية»… فخسارة «إسرائيل» في غزة تضيع في فوران التوصيفات المفارقة لتنسب النصر إلى زعامة أو فصيل بما في ذلك من إهمال إلى عنصر قوة المجتمع في الدفاع عن الحياة.. أو البسالة بعيداً عن الشعارات… أو سقوط السلطة (أو تمثيلاتها) في ما انتصر فيه المجتمع…
وكذلك فإن داعش لن تهزمها جيوش عربية أو تحالفات دولية بقدر ما سيغلق حولها الدائرة مجتمع يدافع عن وجوده… يصحو من نومه المضطرب تحت سطوة سلطة أرادت أن يطول النوم إلى الأبد…
ومع الاضطراب فإن الوصول إلى حل لرئاسة لبنان يسير كبطة عرجاء إلى توافق أمراء الطوائف… وذلك ما يمنع وقوع الكارثة لكنه لا يحقق المعجزة…
ـ 3 ـ
.. ليست هناك مبرّرات كافية للقلق. بل للشعور بالوقع التراجيدي لأحداث لم نفكّر فيها من قبل إلا تبعاً لرنين الشعارات… فقبل داعش كانت القاعدة والتهليل لموت الأميركان…
وقبل حرب تموز (يوليو) 2014 على غزة كنا نبحث عن موقع في حرب الفصائل ونختار الرايات حسب الهوى الطائفي أو الشعاراتي…
وعندما أسقطنا «ديكتاتور» وبحثنا عن «بطل» ينقذنا من هوس الغزاة الإسلاميين، لم نجد إلا المؤسسات التي أفرغت المجال السياسي كله من السياسة….
هل نشعر بالرعب لأننا نعيش في عصور منقرضة؟
هل لو كنا في الخمسينيات والستينيات، زمن الديكتاتوريات العسكرية، كنا شعرنا بالاتساق؟
أم لو كنا في زمن الغزوات والخلافة هل كان رعبنا سيكون أقل وطأة؟
غالباً نحن نعيش وسط «كراكيب» من كل العصور المنقرضة… وكل بائع يقف على «فرشة» يصرخ بأعلى صوته منادياً على بضاعته ومن خلفه كورس محترف وشبكة مصالح تبني رزقها على الموقع الذي تحتله…
«الكراكيب» المنقرضة تشعرنا كأننا في واقع سوريالي والكلام العاقل الحكيم عنه ضرب من ضروب العبث والعنجهية والبرود….
كيف تتعامل مع واقع تتعارك فيه أفكار وسياقات منقرضة…؟
كيف تفكّر في المستقبل وأنت غارق في «مستنقعات» الماضي الذي يرفض الرحيل؟