بكّرت حكومة الرئيس تمام سلام في جبه عراقيل الداخل قبل أن تقترب منها استحقاقات الخارج، من غير أن تبدو أنها امام مهمة سهلة وهي تتنكب طرازين من الاختصاصات: صلاحياتها كسلطة إجرائية يتقاسمها رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء، وصلاحيات رئيس الجمهورية منذ 25 أيار
أعطت الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء، الثالثة منذ شغور الرئاسة الاولى وتوليه صلاحيات رئيس الجمهورية، نموذج ما قد تكون عليه أعماله في المرحلة المقبلة. في ظل تعذر الاتفاق على آلية ممارسة صلاحيات الرئيس بعد انتقالها اليها، سواء المرتبطة برئيس الجمهورية حصراً أو التي يشترك فيها مع رئيس مجلس الوزراء، لن يسع حكومة الرئيس تمام سلام سوى تأكيد تماسكها في الظاهر على الاقل.
في الجلسة الثالثة، بسبب إخفاقه في الاتفاق على الصلاحيات تلك، اكتفى مجلس الوزراء بمناقشة عامة لأوضاع محلية وإقليمية بدأت من هنا ولم تنته في العراق. خرج بعض الوزراء من الجلسة بانطباع مفاده أن المناقشة العامة تلك جنّبت مجلس الوزراء مشكلة حقيقية هي فشل التئامه. لا سلام ووزراء قوى 14 آذار مستعدون للتساهل في قبول تفسير الفريق الآخر آلية ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، ولا وزراء 8 آذار ـــ وخصوصاً وزراء الرئيس ميشال عون ـــ مستعدون بدورهم للتخلي عن فرصة استثنائية وجدية لتأكيد مشاركتهم في الحكم عبر إشعار الفريق الآخر بأنهم هم المؤتمنون على صلاحيات الرئيس في غيابه.
تناقض حاد يجعل من الصعوبة بمكان، من داخل مجلس الوزراء، إقرار أي جدول أعمال قبل الاتفاق على الاجراء الاخير، الأهم في آلية الصلاحيات، وهو توقيع مراسيم القرارات التي يقرّها مجلس الوزراء. على نحو كهذا، يقلل وزراء تكتل التغيير والاصلاح من الاهمية التي تتسم بها المادة 65 من الدستور، المرتبطة بنصاب انعقاد مجلس الوزراء بالثلثين ونصابي إقرار القرارات بالثلثين أو النصف +1، كي يجعلوا مصير الحكومة معلقاً برمته على صلاحية الاصدار المنوطة برئيس الجمهورية. ليسوا في وارد مقاطعة جلسات مجلس الوزراء والتغيّب عنه أو تعطيل انعقاده حتى الآن على الاقل، إلا أنهم يتمسكون بوجهة نظرهم التي يرفضها رئيس الحكومة ووزراء قوى 14 آذار.
الحريري نصح سلام
التريّث حيال شروط وزراء عون من الصلاحيات
أصبح الموقف من إعداد جدول الأعمال أكثر مرونة بالتسليم بآلية محدثة متوازنة له: يُعد رئيس الحكومة جدول الاعمال وهو اختصاصه الدستوري منفرداً، إلا أن الجدول لا ينتقل الى طاولة مجلس الوزراء قبل موافقة الفريق المتحفظ بصفته يمتلك جزءاً من صلاحيات رئيس الجمهورية.
بذلك من غير المستبعد اجتماع الحكومة أكثر من مرة مكتملة، من دون أن تصبح في أي منها بالضرورة مجلساً للوزراء، ما يفضي الى معطيات أبرزها:
1 ـــ تحوّل السلطة الاجرائية في المرحلة الاهم التي تعبر فيها، وهي انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية اليها، اسماً لا مسمّى له. بالتأكيد في وسع الوزراء جميعاً، الى أي فريق انتموا، استخدام صلاحياتهم وممارسة مهماتهم كاملة في إداراتهم، حتى تتوقف عند أبواب مجلس الوزراء حينما لا يسع أي منهم إمرار قرار أو مرسوم في جدول الاعمال، ومن ثم إصداره بعد إقراره.
2 ـــ منذ أخفقت الجلسة الاولى للحكومة، بعد الشغور، في التفاهم على إدارة صلاحيات رئيس الجمهورية، عكس سلام تباعاً رغبته في الصبر والاستيعاب والحؤول دون أي ذريعة تتسبب في تعطيلها، وإغراق البلاد في فراغ فوق آخر. في ما بعد، على اثر الجلستين الثانية والثالثة بنتائج مخيّبة مماثلة للجلسة الاولى، أشيع تلويحه بكشف المعرقلين قبل أن يتردد تلقيه نصيحة من الرئيس سعد الحريري بالتريث، في إشارة ضمنية تربط الارباك الدائر داخل الحكومة بمسار التفاوض بين الحريري وعون.
3 ـــ خلافاً للرئيس فؤاد السنيورة الذي تمكّن من تحصين موقعه على رأس حكومته في شغور 2007 و2008، وقد أحاط نفسه بوزرائها المنتمين الى فريق واحد هو قوى 14 آذار، يستوحي سلام دوره من صلاحياته كرئيس للحكومة أكثر منه رئيساً لمجلس للوزراء لا يجتمع، وإذا اجتمع لا يمارس صلاحياته، ولا يسعه التصويت عل قرار ولا على إصداره. بصفته هذه استقبل قبل أكثر من أسبوع وزير الخارجية الاميركي جون كيري على أنه يمثل اليوم رأس هرم الشرعية الدستورية للبنان ما دام رئيس حكومته. ومن غير أن يبدو على طرف نقيض من وزير الخارجية جبران باسيل الذي لم يشأ الاجتماع بكيري، يخط سلام ديبلوماسية يديرها بأسلوبه.
4 ـــ الواضح أن رئيس الحكومة يواجه المشكلة نفسها التي يجبهها رئيس مجلس النواب نبيه بري بطريقة ونتائج متطابقة، مع فارق لافت هو أن ذوي الادوار السلبية ينتمون الى فريق مغاير. متعاطفين مع حلفائهم المسيحيين، يقاطع تيار المستقبل جلسات مجلس النواب ويمتنع عن المشاركة فيها في محاولة تتوخى، تبعاً لحجة الحلفاء، ممارسة ضغط بغية استعجال إجراء انتخاب رئيس جديد الجمهورية. بالوسيلة نفسها، يمنع وزراء رئيس تكتل التغيير والإصلاح عمل مجلس الوزراء بحجة مختلفة، وإن بدت نفسها في الظاهر، وهي الاحتجاج على عدم انتخاب الرئيس، بيد أنها تؤول الى الخاتمة نفسها: الى أن ينتخب الرئيس الجديد، يمارس مجلس الوزراء صلاحياته وفق مفهوم جديد ومطاط للمشاركة. لا تتحفز وجهة نظر وزراء التكتل استعجال انتخاب الرئيس إلا بمقدار حصول تطور إيجابي على التفاوض الدائر بين عون والحريري ليس إلا. إلا أنهم يتصرفون داخل مجلس الوزراء على أنهم يحلون جزئياً وأساسياً في الوقت نفسه ـــ مع الوزراء الآخرين ـــ في صلاحيات رئيس الجمهورية. بذلك تنتقل عدوى شغور الرئاسة الى السلطتين الاشتراعية والإجرائية على السواء.
كانت لافتة إشارة رئيس المجلس وتقديره موقف سلام الحضور الى ساحة النجمة للمشاركة في جلسة إقرار سلسلة الرتب والرواتب، وعدّ بري حضوره هذا استكمالاً لموقفه، وهو استمرار عمل المؤسسات الدستورية في مرحلة الشغور على نحو مواز لتواصل جهود انتخاب الرئيس. سرعان ما تبيّن أن موقف تيار المستقبل بمقاطعة جلسات البرلمان كاف لمنع انعقاده، وإفقاد حضور رئيس الحكومة جدواه ومغزاه.