حذرّ وزير الإقتصاد الان حكيم في تصريح له من خطر العمالة السورية على الإقتصاد حيث من المتوقع أن يزيد عدد اللبنانيين العاطلين عن العمل 324,000 عاطل نتيجةَ العمالة السورية وذلك في نهاية العام الحالي. وهذا الوضع سيدفع الحكومة، بحسب تصريح الوزير، إلى وضع إطار قانوني لهذه العمالة. فما هي تداعيات هذا الإطار وكيف يُمكن الإستفادة منه؟
إنّ إتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الإقتصاد الوطني، واجبٌ على الحكومة. لذا عليها إتخاذ القرارات المناسبة في هذا الخصوص كي لا تُصبح مُلزمة في أخر هذا العام إلى إدارة أزمة إجتماعية على مستوى وطني قد تُطيح بالنظام الحالي وبكل مقوماته.
والإقتراح الأكثر جدية المتداوَل في الصحافة هو إقتراح فرض كوته (quota) على الشركات حيث تُلزم الشركات بتوظيف 90% من مستخدميها من اللبنانيين كما تلزِمها بإدخال موظفيها الأجانب، أي 10% كحدّ أقصى، إلى الضمان الإجتماعي ودفع الأعباء الإجتماعية المتوجبة. وهذا بالطبع سيزيد الكلفة على الشركات اللبنانية ولكن ليس كلّ الشركات. فهناك بعض القطاعات التي تستخدم حصرياً العمالة السورية والمصرية، كقطاع المولّدات ومحطات البنزين والبناء العقاري، والبعض الأخر يستخدم الإثنين معاً كقطاع الصناعة. كما أنّ هناك قطاعات، كالقطاع المصرفي الذي يوظف حصرياً لبنانيين.
النتائج الإقتصادية المُترتبة على وضع إطارٍ قانوني…
إنّ فرض كوته على الشركات سيترتب عليه كلفة ستطال القطاعات التي تستخدم حصرياً العمالة السورية والمصرية ثم الشركات التي تستخدم العمالة الأجنبية والعمالة اللبنانية. لكنّ هذه الكلفة ستكون على الأمد القصير، لأنه مع الوقت سيكون هناك توازن في الإقتصاد (Communicating Vases) وستعود الأرباح لتُعوّض هذه الكلفة.
أيضاً فإنّ الحكومة ستواجه مُشكلةَ مراقبة تطبيق القوانين التي ستُقرّ، وهذا سيطرح مشاكل عديدة منها عدد الموظفين المولجين المراقبة، كلفة التنقلات للكشف، كما وطرق كشف التلاعب على القوانين التي ستقوم بها الشراكات المُخالفة والتي لن ينقصها الإبداع.
ولا يُمكن نسيان حال بعض القطاعات التي ستتأذّى جراء حرمان الشركات من الأيدي العاملة الأجنبية. فالتقديراتُ تُشير إلى وجود 20% من الأيدي العاملة اللبنانية التي لا تتمتع بمهارات عالية (عامل ورش مثلاً)، وهذا الرقم غير كافٍ لتغطية النقص في العمالة السورية والمصرية والتي تُعتبر الأولى في لبنان، ما يعني ضرب بعض القطاعات بشكل كبير في وقت نحن بحاجة لدعم هذه القطاعات. مِن هنا يُمكن طرح تطبيق قانون «الكوته» على مراحل، مثلاً: تخفيض نسبة العمالة الأجنبية في الشركات بنسبة 50% في الستة أشهر القادمة على أن يتمّ إحترام الـ 10% كحد أقصى في نهاية العام 2015.
إمكانية الإستفادة من هذه العمالة في القطاع الزراعي…
لا يُخفى على أحد ضعف القطاع الزراعي اللبناني وتقلصه مع الوقت مع العلم أنّ الفرنسيين حلموا بلبنان كمورد زراعي أول لهم. لكنّ هذا الحلم ذهب في مهب الريح مع الإستقلال، وبدأت الأراضي الزراعية المُستخدَمة زراعياً تضمحلّ مع الوقت. وبحسب المسح الذي قام به مكتب التعاون الإيطالي بالتعاون مع منظمة الفاو والحكومة اللبنانية، بلغ عدد المزارعين 169,612 مزارعاً في العام 2010 بإنخفاض 2% عن العام 2008. كما بلغت مساحة الأراضي المستخدمة للزراعة، 2,321,999 دنم (22% من مساحة لبنان) منها الأراضي التي تُزرَع موسمياً (1,024,709 دنم)، تحت الخيم (38,008 دنم)، والمزروعة بشكل دائم (1,259,282 دنم).
الجدير بالذكر أنّ لبنان يستورد القمح والعديد من المواد الغذائية التي من الممكن زرعها في لبنان والتي تسمح بسدّ حاجة السوق الداخلي والتصدير إلى الخارج. مع العلم أنّ الذُرة يمكن أن تُشكّل ثورة على صعيد الإقتصاد اللبناني نظراً إلى حاجة العالم إلى هذه النبتة التي تُستخدَم غذائياً لصناعة الزيت والخبز كما وصناعة الطاقة.
وهنا كل الحاجة إلى العمالة الأجنبية التي يُمكن تسخيرها لمصلحة الإقتصاد اللبناني وللنهوض بالقطاع الزراعي بشكل مُلفت.
آلية هذه الخطة…
يبدأ الأمر مع وضع الحكومة إطاراً قانونياً يفرض على الشركات اللبنانية والأجنبية العاملة في لبنان التخلي تدريجاً عن العمالة الأجنبية مع إعطاء الإستثناءات لبعض القطاعات وبالتحديد القطاع الزراعي.
ثم تتمّ الإستفادة من نتائج المسح الذي قام به مكتب التعاون الإيطالي بالتعاون مع منظمة الفاو والحكومة اللبنانية، وذلك بهدف وضع خطة زراعية تشمل خريطة مُحدّثة للأراضي الصالحة للزراعة وإختيار الحبوب أو النباتات التي يتوجب زرعها.
من ثمّ يتمّ العمل على تأمين قروض من المنظمات العالمية كالبنك الدولي وبنك التنمية الأوروبي وبعض الدول الكبيرة، خصوصاً أنّ الإستثمارات لن تكون هائلة إلّا فيما يخصّ شبكة الرّي التي يتوجب تحديثها بشكل جدي لكي يستطيع لبنان تخطي أزمة المياه والصرف العشوائي الناتج عن الرّي.
هذا الأمر سيؤدّي إلى إهتمام كبير من سكان المناطق الحدودية الذين يفتقرون إلى العمل وسيدفعهم إلى الإستثمار، عبر الإستفادة من القروض، وزراعة أراضيهم بالحبوب والنباتات التي تنصح بها وزارة الزراعة على أن تُؤمّن هذه الأخيرة بالتعاون مع وزارة الإقتصاد أسواقاً للمنتوجات (داخلياً وخارجياً) تسمح بتصريفها بشكلٍ كلّي ومن دون دعم خزينة الدولة.
فوائد هذه الخطة…
من أهمّ الفوائد لهذه الخطة هي دعم نموّ الإقتصاد اللبناني عبر النقلة النوعية التي سيعيشها القطاع الزراعي والتي من الممكن أن تجلب نمواً يتراوح بين 3 و10% بحسب ضخامة الإستثمارات والأراضي التي سيتمّ زرعها. كما أنّ النتائج ستكون إيجابية من ناحية الإنماء المناطقي حيث ستشهد المناطق الحدودية فترةَ إنماءٍ مُلفت مع زيادة الخدمات في هذه المناطق، وسيخفّ بذلك الضغط على العاصمة بيروت وضواحيها التي تحوي ما يزيد على 1,2 مليون شخص. ولا يجب أن ننسى تخفيفَ العبء على خزينة الدولة التي لن تكون بحاجة إلى دعم الحبوب كما تفعل الآن.
أيضاً من فوائد هذه الخطة السيطرة على العمالة الأجنبية وعلى رأسها العمالة السورية التي أصبحت تُشكل خطراً كيانياً على المُجتمع اللبناني عبر ظاهرة الـ Social Dumping. وسيتمّ إستخدامُ هذه الأيدي العاملة في قطاعٍ هو في أشدّ الحاجة إلى الإنماء عبر توفير عناصر الإنتاج الأساسية (الأيدي العاملة ورأس المال).
ولا شكّ في أنّ الله خلق للإنسان عقلاً يستخدمه لحلّ مشاكله، وكلّ مشكلة مهما كان حجمها لا يُمكن إلّا أن يكون لها حلّ. من هذا المُنطلق إذا كنا لا ندّعي أنّ هذه الخطة هي خطة مثالية، إلّا أنها تُشكل قاعدةً للمعنيين للبناء عليها لتحويل كارثة العمالة السورية إلى عامل إيجابي، لأننا نعلم جميعاً صعوبة عودة النازحين كلهم، وتداعيات هذا النزوح علينا سياسياً، أمنياً، إقتصادياً وديموغرافياً.