فيما التصدّي للإرهاب لا يزال عنوان الحركة الخارجية، رسمَ رئيس الحكومة تمّام سلام صورةً قاتمة للوضع من خلال كشفِه لـ»الجمهورية» أنّ «المعطيات المتوافرة لدى المراجع العسكرية ليست مريحة، لا بل مقلِقة». وقد تماهى موقفه مع ما كان أعلنَه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق من أنّ «الوضع في عرسال قنبلة موقوتة جاهزة دائماً للانفجار». هذا في المواقف، أمّا ميدانياً فالتوتّر عاد إلى البلدة، ولكن هذه المرّة في أعالي جرودها لا داخلها، حيث يقف أهلها صفّاً واحداً خلف الجيش اللبناني، ويرفضون أيّ وجود مسلّح خارج إطار الشرعية اللبنانية. ومساءً نشرَ لواء «فجر الإسلام» مقطعَ فيديو للعسكريين المحتجَزين لديه يناشِدون أهلهم الضغط على الدولة للتفاوض»، فيما استمرّ مصير الرقيب علي السيّد مجهولاً، فلا تأكيدَ ولا نفيَ لمقتله. وفي السياق الأمني نفسه، وبعد الهبة السعودية دخلت الولايات المتحدة عملياً على خط تسليح الجيش، وكان لافتاً موقف السفير الأميركي ديفيد هيل الذي تحدّى فيه «الذين يقولون إنّ المساعدات الأميركية للجيش ليست متطوّرة بما فيه الكفاية»، بالقول «الجيش يحتاج بالضبط إلى ما نحن نقدّمه اليوم وما سوف نقدّمه خلال الأسابيع المقبلة». والبارز في هذا السياق إعلان «حزب الله» عن استعداد إیران لتعزیز قدرات الجیش اللبناني وتسلیحه خلال أیام فقط إذا طلبت الدولة اللبنانیة منها ذلك. وفي موازاة الملفّات الأمنية تتوجّه الأنظار إلى جلسة الثلثاء المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية والتي لا شيء يوحي بأنّها ستختلف عمّا سبقها، باستثناء إذا أبصرَت مبادرة قوى 14 آذار النور قبل هذه الجلسة.
فيما تغرق المنطقة في الفوضى، ويرتفع منسوب المخاطر الأمنية في الخارج والداخل، بسبب تزايد وتيرة نشاط الحركات الإرهابية والتكفيرية، تحدّثت باريس عن السعي إلى عقد مؤتمر دولي لبحث سُبل مواجهة خطر تنظيم «داعش»، فيما أوضح البيت الابيض أنّ واشنطن لا تعتزم رفعَ مستوى التأهّب خشية عمليات إرهابية، بينما رفعَت بريطانيا التأهّب الى درجة الخطر الشديد، تحسُّباً لوقوع اعتداءات ارهابية فيها، وعبَّر رئيس وزرائها دايفيد كاميرون عن قلقه من نيّة تنظيم «داعش» التمدّد إلى لبنان والأردن.
سلام
وفي هذه الأجواء، تحدّث سلام في دردشة مع «الجمهورية» ليل امس عن مختلف التطورات في لبنان والمنطقة، فقال ردّاً على سؤال عن مدى خطورة التطورات الأمنية ووجود مخاوف جدّية تهدّد أمن البلاد: «أكيد أنّ المعطيات المتوافرة لدى المراجع العسكرية ليست مريحة، لا بل أستطيع القول إنّها مقلقة».
لكنّه أضاف: «على رغم كلّ هذه المخاوف، فإنّ كلّ شيء يهون امام تماسكِنا الوطني، هذا التماسك هو خطّ الدفاع الأوّل عن لبنان واللبنانيين. وليس صحيحاً القول إنّ المعارك العسكرية هي التي ترسم خط الدفاع الأوّل، بل إنّ تماسكنا وتضامنَنا صفّاً واحداً وراء القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية هو ما يضمن عدمَ تفاعلها وحصرَ نتائجها السلبية وتقليصها إلى الحدود الدنيا».
العجز السياسي
وقال سلام: «يا للأسف، الخلافات القائمة بين اللبنانيين، والعجز السياسي المتمثّل بعدم قدرتنا على مَلء الشغور الرئاسي ومعالجة قضايا أخرى مثل أزمة الكهرباء والنفايات وغيرها من القضايا المطروحة، كلّ ذلك يهدّد مناعة الجبهة الداخلية ووحدة البلاد. ولذلك، علينا القيام بكلّ ما يلزم من أجل لملمتها وتسويتها وتوحيد قوى اللبنانيين جميعها وراء ما يجب أن نقوم به من أجل قوّة لبنان وحمايته ممّا يتهدّده من أحداث الخارج».
وردّاً على سؤال عن الحراك الدولي والإقليمي الساعي الى إقامة تحالف لمواجهة إرهاب «الدولة الإسلامية» ومدى انعكاس ذلك على وضع لبنان، قال رئيس الحكومة: للجوّ الدولي حساباته ومعطياته التي تختلف عن حساباتنا الداخلية اللبنانية. ففي حساباتهم وأجوائهم يأخذون اعتبارات أخرى تتّصل بمعظمها بمصالحهم وبتقاسُم النفوذ وتوزيع الأدوار، ولذلك لهم حساباتهم ودوافعهم في كلّ قرار يأخذونه».
النازحون السوريّون
وأضاف: «لكن ما يعنينا من كلّ هذا الجوّ الدولي هو ما يوفّر مزيداً من الحماية للبنان ومصالحنا الحيوية في الأمن والاستقرار، وكلّ ما يؤدي الى الحفاظ على بلدنا وتوفير ما نحتاجه لمواجهة الاستحقاقات الداهمة على لبنان وأهمّها وأخطرها وأثقلها موضوع النازحين السوريين الذي يُلقي تبعاتٍ على لبنان واللبنانيين ليس من السهل تحمّلها على المدى البعيد.
إنّه بلا شكّ عبء عظيم، وما نحتاجه من كلّ هذا الحراك هو في تأمين دعم المجتمع الدولي الإضافي لنا، هذا الدعم الهادف الى تعزيز المجتمع اللبناني، وإلى مساعدتنا لتجاوز تداعيات هذا الواقع».
وعن المساعدات العسكرية الأميركية إلى لبنان ووصول دفعة جديدة منها، أجاب سلام: «طبعاً للأميركيين دورٌ مهم وكبير في توفير الدعم السريع والفوري والنوعي الذي تحتاجه قواتنا المسلحة، والجيش اللبناني تحديداً».
وأضاف: «لا شكّ في أنّ ما شهدناه بوصول الدفعة الأولى من الهبات الأميركية، وكما قال السفير الأميركي إنّها هبة من الشعب الأميركي، هي بالفعل بنظرنا تترجم حجمَ الدعم الأميركي للبنان، والموقف الواضح مما يجري عندنا، ولمساعدتنا على مواجهة الإرهاب ووقف كلّ ما يهدّد لبنان وأمنه ووحدته».
… إلى قطر
وكان سلام التقى أمس سفير قطر في لبنان علي بن محمد المري وبحث معه في الأوضاع والتطورات في لبنان والمنطقة. وقالت مصادر معنية لـ«الجمهورية» إنّ البحث تناول التحضيرات الجارية لاحتمال ان يقوم سلام بزيارة الى قطر في وقتٍ قريب في إطار جولة خليجية.
المساعدات العسكرية
وكانت الدفعة الثانية من المساعدات العسكرية الاميركية للجيش وصلت امس، على أن يصله مزيد منها، كما أعلن هيل، متوجّهاً إلى «الذين يقولون إنّ المساعدات الأميركية للجيش ليست متطوّرة بما فيه الكفاية»، بالقول: «إذهبوا واسألوا جندياً في عرسال، أو في رياق، أو في المقرّ الرئيسي في اليرزة، أو في الأمكنة الأخرى التي لا تحصَى، حيث يعمل الجيش للحفاظ على أمن وأمان جميع اللبنانيين. والجواب الذي ستحصلون عليه من ذلك الجندي هو أنّه يحتاج بالضبط لما نحن نقدّمه اليوم وما سوف نقدّمه خلال الأسابيع المقبلة».
إلى ذلك، طلبَ وزير الخارجية جبران باسيل من السفير الأميركي «تقديم بلاده المساعدة في موضوع مكافحة الإرهاب والإرهابيين، وإعطاء المعلومات المتوافرة عنهم قضائياً ودولياً لملاحقتهم تطبيقاً للقرار 2710، ولمساعدة المدّعي العام في المحكمة الجنائية الدولية لتكوين ملفات لهؤلاء الإرهابيين تمهيداً لملاحقتهم أمام العدالة الدولية».
إستعداد إيراني
في الموازاة، أعلنَ عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسین الموسوي أنّ إیران مستعدّة لتعزیز قدرات الجیش اللبناني وتسلیحه خلال أیام فقط، إذا طلبَت الدولة اللبنانیة منها ذلك. واعتبر أنّ الوعود التي يتلقّاها الجيش بتسلیحه «ما هي إلّا مزحة من بعض الدول، لأننا لم نرَ ترجمة لها علی أرض الواقع».
«حزب الله»
من جهته، اعتبر رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق أنّ من حقّ الجيش «وهو يخوض معركته التاريخية والوطنية أن يحظى بأقصى دعم شعبيّ وسياسي وإعلامي ومعنوي، ومن حقّه أن يشعر بوجود كامل الغطاء لكامل المعركة، وأن يتسلح بالموقف الرسمي اللبناني قبل أن يتسلّح بأعتدة وأسلحة حربية. ومن حقّه أن يلجأ إلى كلّ شيء لتحرير المخطوفين العسكريين من أيدي العصابات التكفيرية الإجرامية».
وأكّد أنّ الحزب سيبقى «حيث يجب أن يكون لحماية الوطن والأهل، وكلّ الترهيب والضغوطات الداخلية والخارجية لن تجعلنا نتخلّى عن واجباتنا تجاه حماية أهلنا والوطن، وإنّ من فخرِ المقاومة أنّ الدواعش أكثر ما يخافون في المواجهة على امتداد ساحة المواجهة هي تلك التي يخوضونها مع أبطال «حزب الله» لأنّهم جرّبوا في كلّ الساحات بأنّنا نحن أهل الحرب ونحن صنّاع الانتصارات بإذن الله».
الجيش على جهوزيته
في هذه الأثناء، حافظَ الجيش على جهوزيته لمواجهة أيّ مخطط إرهابيّ تكفيري، وكذلك على صمته حيال تأكيد أو نفي فيديو إعدام أحد عسكرييه المخطوفين. وهو اشتبكَ أمس مع مجموعة مسلّحة في وادي حميد وتمكّن من توقيف اثنين من المسلحين، هما اللبنانيان خالد أحمد أمون ومحمد رياض عزالدين، فيما فرّ المسلح الثالث، حسبما ذكر بيان قيادة الجيش. وعُلم لاحقاً أنّ امون هو المطلوب الخطير بتفخيخ سيارات والمسؤول عن تفخيخ السيارة التي انفجرَت في محطة الأيتام في الهرمل.
ملفّ المخطوفين
وفي ملف العسكريين المخطوفين، شدّد وزير الداخلية «على أنّ هذه القضية أمانة في أعناقنا»، بينما سادت حالة هلع في صفوف ذويهم، خصوصاً بعد تناقُل صوَر تُظهر ذبحَ الرقيب المخطوف علي أحمد السيّد، وأوضحَ عمُّه «أنّ هيئة علماء المسلمين» أكّدت لعائلته خبرَ استشهاده على يد المسلحين، لكنّ الهيئة أعلنَت أنها لا تستطيع أن تؤكّد أو تنفي حقيقة الصوَر المنتشرة لذبحِ الجندي، وأشارت الى أنّ موقفها يعود لتوقف المفاوضات وعدم وجود اتصال مباشر مع الجهات التي تحتجزهم.
ونَشر مساء أمس لواء فجر الإسلام مقطعَ فيديو لعناصر الجيش اللبناني المحتجَزين لديه يناشدون أهلهم التحرّك والنزول الى الشارع وقطع الطرقات للضغط على الدولة للتفاوض والإفراج عنهم، وإلّا سيكون مصيرهم الذبح، وقالوا إنّ المهلة ثلاثة أيام، وناشَدوا الدولة تلبيةَ مطلب داعش بمبادلتهم بموقوفين في سجن رومية.
وكان أهالي المخطوفين قطعوا الطرقات في عكّار تضامُناً مع أبنائهم للمطالبة بالإفراج عنهم، كذلك نفّذوا اعتصامات عدّة طيلة نهار أمس، وطالبَت الكلماتُ التي ألقِيت الدولةََ بالإسراع في تحرير المخطوفين.
في الموازاة، عمَّ الغضب بلدة فنيدق العكارية مسقط رأس الرقيب الذي تردّد أنّه تمّ ذبحُه، وطلبَت الفاعليات فيها من الحكومة ومن قيادة الجيش العملَ الجدّي على تأكيد أو نفي صحّة الصوَر. وحمّلت الحكومة «كامل المسؤولية بالتقصير الحاصل بحقّ الأسرى وعدم احترام كرامة أهاليهم».
الاتّحاد الأوروبي
وفي المواقف الدولية، دانَ الاتحاد الأوروبي بشدّة الهجمات الإرهابية على الجيش، مشدّداً على وجوب الإفراج عن المخطوفين فوراً. وأكّد دعمَه جهودَ لبنان، ونوَّه بتصميم السياسيين اللبنانيين على وضع حدّ للتطرف الإرهابي والعنيف، مثنياً على جهود الأجهزة الأمنية اللبنانية المشتركة في الردّ، وفي الخطوط الأمامية، على التهديدات الأمنية العديدة وعلى التحدّيات.