الرئاسة الأولى ورقة في الميزان الخارجي
مخاوف مسيحية من ربط الانتخاب بتعديلات ميثاقية
يدخل الشغور ممتلئ القامة، من الباب العريض لقصر بعبدا، الذي يخرج منه مساء اليوم رئيس الجمهورية. لا يتخفى او يتسلل. «واثق الخطوة يمشي ملكا»، ويقيم ويحكم ملكا لولاية يعرف الجميع متى تبدأ، ولكن لا أحد يعرف متى تنتهي.
على اللبنانيين ان ينتظروا توازنا بين القوى الداخلية والخارجية وتوافقات على مصالح كبرى وصغرى ليكون لهم رئيس. وفي الانتظار عليهم ان يواصلوا حياتهم التي، اعجبنا ام لا، لن تتأثر كثيرا بالشغور في موقع الرئاسة. قبلها عُطل مجلس النواب، وواصل اللبنانيون حياتهم. تعطلت الحكومة وتعثرت ولادتها، وواصل اللبنانيون حياتهم. اهتز الامن والاقتصاد وانهارت السياحة وشُل البلد مرات ومرات، وواصل اللبنانيون حياتهم، وسيفعلون.
ليس الوقت مناسبا حتما للنقاش في جوهر ازمتنا التي تتناسل ازمات. هي ازمة بنيوية في نظام طائفي وصل الى حده الاقصى. حد يستولد فراغا من فراغ او امتلاءً يشبه الفراغ في الكثير من وجوهه وادواته واسلوب عمله. ليس هذا الزمن زمن البحث في افقنا المسدود، وان كان خوف بعضهم من ان يجرنا الفراغ مكرهين الى نقاش من هذا النوع. او كما يتخوف احد المسؤولين الدينيين من «طرح تعديلات جوهرية في النظام، وربط انتخاب رئيس بسلة اصلاحات او تعديلات في الدستور تلامس تعديلات ميثاقية وتوافقية».
يغادر اليوم الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا من دون ان يقتدي بأي ممن سبقوه من الرؤساء الذين تركوا القصر ليسكنه الفراغ. فلا هو اوحى باعلان «حال الطوارئ» على غرار سلفه اميل لحود الذي اشار في بيانه الاخير الى «توافر اخطار حال الطوارئ وتحققها على جميع اراضي الجمهورية اللبنانية وتكليف الجيش حفظ الامن ووضع جميع القوى المسلحة تحت تصرفه». كما لن يسلم سليمان صلاحيات الرئيس الى حكومة انتقالية برئاسة ماروني كما فعل قبله بشارة الخوري عام 1952 وامين الجميّل عام 1988. ستنتقل صلاحيات الرئيس الى الحكومة الحالية برئاسة تمام سلام، وفق ما نص عليه الطائف. وهو ما سبق للرئيس فؤاد شهاب ان مارسه من دون نص عام 1960 حين نقل الصلاحيات الى الحكومة القائمة برئاسة احمد الداعوق.
يغادر الرئيس سليمان بعبدا وتتحول من بعده رئاسة الجمهورية الى ورقة ضغط. صار الموقع المسيحي الاول احدى ادوات المواجهة في صراع اقليمي ودولي. وعليه «ستتواصل المساعي والمفاوضات وعض الاصابع في الداخل والخارج وصولا الى تسوية تسمح بالاتيان برئيس يشكل مساحة عازلة بين طرفين متصارعين»، بحسب سياسي وسطي. يضيف: «ابتداء من اليوم علينا ان نفكر جديا في اسماء تدير الازمة. اسماء ترضي معظم الاطراف».
وهل الترجمة العملية تعني اسماء بلا لون او طعم؟ يجيب السياسي: «اليس من طعم ولون الا للرؤساء مسببي الحروب والفتن الذين ينقسم حولهم اللبنانيون وطائفتهم في المقدمة؟ لم لا نجرب رئيسا يجمع كل ألوان الاطياف اللبنانية؟ رئيسا يكون قادرا على توسيع مساحات التلاقي بين اللبنانيين. ان لم نكن قد تعلمنا بعد ان لبنان لا يحكم الا بالتوافق وبالاعتدال والانفتاح على كل الداخل وكل الخارج، فامامنا مراحل جلجلة طويلة».
ابتداء من الغد ندخل مرحلة جديدة. واذا كانت الدول اختارت لنا على امتداد عقود 18 رئيسا للجمهورية و12 رئيسا منذ الاستقلال، فالاكيد انها ستفعل ذلك مجددا متى تلاقت مصالحها وتقاطعت ظروفنا.