بعيدا عن زواريب وخفايا التسوية التي أمنت خروج المسلحين من عرسال الذين احتفظوا بجنود لبنانيين رهائن لديهم، لا جدال في أن أي مساعدة تقدم للجيش اللبناني من أي نوع كانت ومن أي جهة أتت هي مفيدة وضرورية وملحة في هذه الظروف الصعبة والحرجة التي يمر بها لبنان ومحيطه وجواره والتي تشهد حربا ضروس يخوضها الجيش اللبناني في مواجهة «الهواء الأصفر» الإرهابي الذي يجتاح المنطقة بظلامية إجرامه وحقده وجهله بحق الأديان السماوية وكل القيم الإنسانية. هذا ما قالته مصادر دبلوماسية بارزة في بيروت لـ الديار، مشيرة الى انه ضمن هذا السياق فأن المساعدة السعودية العاجلة بمنح مليار دولار أميركي للجيش اللبناني وهو يخوض معركة وجود ومصير دفاعا عن لبنان مع المسلحين الإرهابيين التكفيرين الذين استولوا على بلدة عرسال هو أمر في غاية الأهمية والضرورة إلا أن هذه المساعدة وغيرها من المساعدات على أهميتها دون شك قد لا توازي بمفاعيلها الحاسمة على أرض الميدان ضد المسلحين الإرهابيين مسألة تدخل الطيران الحربي للجيش العربي السوري لقصف مواقع الإرهابيين المحصنة داخل مغاور جرود عرسال.
هذا القصف الجوي من شأنه أن يريح الجيش اللبناني ويمكن قواته العسكرية من مداهمة واقتحام معاقل المسلحين في أعالي الجرود بخسائر بشرية أقل من ما لو أن التغطية الميدانية لعناصر الجيش التي تداهم وتقتحم مواقع المسلحين اقتصرت على تغطية مدفعية الميدان والدبابات التي من دون شك لها فعاليتها على الأرض إلا أن هذه الفعالية تبقى لا شيء أمام الغطاء الجوي الذي توفره الغارات الجوية المكثفة على مواقع ومعاقل الإرهابيين.
المصادر أسفت لتسرع بعض المسؤولين السياسيين الرسميين في إعلانهم رفض أي تعاون بين الجيشين اللبناني والسوري، حيث أن هذا الموقف المتهور وغير المدروس قد أتى ضمن سياق الإنقسامات السياسية التقليدية الحادة في البلاد بين فريقي 14 و 8 آذار والتي غالبا ما تأتي عواقب مصالحها الآنية والضيقة على حساب المصلحة الوطنية العليا، خصوصا أن رفض أي مساعدة من الجيش العربي السوري للجيش اللبناني هي غير مبررة سيما أن هناك اتفاقيات لبنانية – سورية موقعة وفقاً للأصول الدستورية والقانونية تتيح تبادل المساعدات العسكرية والأمنية بين لبنان وسوريا في مثل هكذا ظروف صعبة… وخصوصا أيضا بأنه سبق للجيش العربي السوري وفي عز الإنقسام السياسي بين فريقي 14 و 8 آذار أن ساهم بفعالية في تقديم المساعدات العسكرية واللوجستية للجيش اللبناني في حربه ضد الإرهاب في معركة نهر البارد. بحيث أنه كان يمكن للدولة اللبنانية وتنفيذا للإتفاقات المعقودة مع الدولة السورية أن تطلب عبر القنوات الدبلوماسية المناسبة مساعدة محددة من الجيش العربي السوري لشقيقه الجيش اللبناني وذلك من خلال استخدام سلاح الجو السوري لضرب مواقع الإرهابيين في جرود عرسال وكذلك أيضا من خلال تأمين الغطاء الجوي للقوى البرية اللبنانية خلال تنفيذها العملاني على الأرض لعمليات إقتحام مراكز ومواقع المسلحين الإرهابيين.
إلى ذلك، رأت أوساط سياسية متابعة بأنه ليس صحيحا ما يتم ترويجه من قبل بعض المتابعين للمفاوضات التي تتولاها هيئة العلماء المسلمين حول أنه لم يكن هناك نية للمسلحين الإرهابيين على الإستمرار في المعركة ضد الجيش وكأن هؤلاء يريدون أن يوهموا الرأي العام بأن المسلحين استدرجوا إلى المعركة ضد الجيش في حين أن التحقيقات الأمنية مع الموقوفين من المسلحين بالإضافة إلى المعلومات الإستخباراتية والأمنية تؤكد بأن المسلحين الإرهابيين قد نفذوا هجومهم المباغت على الجيش اللبناني عن سابق تصور وتصميم لتنفيذ مخططهم الإرهابي الذي لم يكن يقتصر تنفيذه على منطقة عرسال وجرودها وحسب بل كان سيستهدف كل قرى وبلدات البقاع بهدف خلق البلبلة وصب الزيت على نار الفتنة الطائفية والمذهبية، سيما أن المخطط كان يتضمن ارتكاب جرائم بحق المدنيين الأبرياء على أساس الهوية الطائفية والمذهبية. وبالتالي أن الحقيقة واضحة ولا لبس فيها وهي أن المسلحين وبعد أن هالهم ما أصابهم من صمود وإيمان واستبسال القوى العسكرية اللبنانية في الدفاع عن أرض بلادها، وبعد عمليات الهجوم المضادة التي نفذتها بحرفية وتكتيكات عسكرية عالية الدقة والحرفية عناصر النخبة في المؤسسة العسكرية والتي أجبرت المسلحين على التراجع والإنكفاء وخسارة أهم التلال الإستراتيجية في محيط بلدة عرسال، قد أدى عمليا وميدانيا إلى تراجع الإرهابيين وسقوط مخططهم الإرهابي الإجرامي، حيث أن الخسائر البشرية الفادحة التي لحقت بالمسلحين الإرهابيين على أرض المعركة دفعتهم للجوء نحو الخطة «ب» من المخطط الإجرامي وهي الخطة التي تقتضي خطف بعض الرهائن وسلوك طريق المفاوضات لتأمين خروجهم الآمن بأقل الخسائر من أرض المعركة.
أضافت الاوساط بأنه في أروقة الكواليس السياسية ثمة أجواء غير مريحة حيث أنه وبعد التسوية الغامضة التي أمنت خروج المسلحين من عرسال الذين احتفظوا بجنود لبنانيين رهائن لديهم ثمة بعض الطروحات المتعلقة بترتيب الأوضاع الداخلية في عرسال ومحيطها بعد المعركة العسكرية والتي تقدم من بعض القوى خلف عناوين حقن الدماء والوضع الإنساني للنازحين السوريين والمدنيين اللبنانيين داخل عرسال، تتضمن مضامين تآمرية مسمومة ومشبوهة على الجيش والوطن وهيبة الدولة اللبنانية كون هذه الطروحات في مكان ما تخدم بطريقة أو بأخرى الوضع الشاذ الذي سبق أن عاشته عرسال وأدى فيما أدى إليه إلى وقوع المعركة الأخيرة بين الجيش والإرهابيين التكفيريين. وبالتالي وبغض النظر عن الإعتبارات السياسية والأمنية والعسكرية وحتى ربما الإنسانية التي أملت تلك التسوية الغامضة مع المسلحين التي أمنت خروجهم الآمن من بلدة عرسال وذلك بعد وساطة هيئة العلماء المسلمين، إلا أن المنطق والواجب السيادي والقانوني كان يحتم على كل مسؤول في الدولة اللبنانية أن يسعى جاهدا ودون أي مساومة مع أحد على اتخاذ كل ما يلزم من اجراءات وخطوات تحول دون إفلات هؤلاء الإرهابيين التكفيريين من قبضة العدالة اللبنانية التي من المفروض أن تقتص منهم وفق ما تقتضيه الأنظمة والقوانين المرعية، كما أنه يجب على هذه العدالة فيما لو كانت فاعلة على النحو الصحيح أن تتوسع بمحاسبتها لتطال السياسيين ورجال الدين الذين وفروا المناخات والمبررات اللازمة والمؤاتية لتغلغل المسلحين الإرهابيين التكفيريين في عرسال وجرودها على حساب السيادة والحرية والإستقلال.