Site icon IMLebanon

مرحلة صعبة للطموحات الإيرانية النووية والإقليمية

المرحلة الراهنة غير مريحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية: المفاوضات النووية مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا تتعثر وقد لا يتم الاتفاق المنشود بحلول 20 الشهر الجاري. أحداث العراق ستزيد من إضعاف إيران إذا قامت الانتفاضة السنية على رئيس الحكومة نوري المالكي بالانقضاض على «داعش» بالتنسيق مع الولايات المتحدة كما سبق وفعلت في «الصحوات». التطورات في غزة فتحت نافذة ايرانية على الصواريخ التي تستخدمها «حماس» في معركتها مع إسرائيل التي تستخدم الطائرات بلا طيار drones، وذلك لأن إسرائيل تتهم إيران بتوفير تلك الصواريخ إلى «حماس» وتحرّض أعضاء الكونغرس الأميركي ضدها. حليف إيران الرئيسي «حزب الله» يقع تحت ضغوط جديدة لمحاصرته مالياً أميركياً وخليجياً، وهو ميدانياً محاصر نسبياً في سورية ولبنان بعدما تغيّرت معالم المعابر والحدود. وفي سورية، حيث تستثمر إيران كل قواها للحفاظ على الرئيس بشار الأسد، تبرز بوادر سياسات أميركية غير تلك التي اعتادتها إدارة أوباما نحو المعارضة السورية كما نحو سياساتها المعهودة نحو سورية.

بالنسبة للمفاوضات النووية التي تجري في فيينا ووصلت إلى مرحلة حاسمة، هناك فارقان مهمان بين المواقف الأميركية والإيرانية هما: أولاً، إصرار إيران على امتلاك القدرة النووية التي تمكّنها من امتلاك السلاح النووي في غضون شهور مقابل عجز الرئيس باراك أوباما عن التوجه إلى الكونغرس والشعب الأميركي طالباً الموافقة على صفقة تجعل من إيران قوة نووية شرعية. وثانياًَ، تريد إيران رفع العقوبات بموجب الاتفاق فيما أوباما ليس قادراً سوى على التنازل عن تطبيق بعض العقوبات المفروضة على إيران بموجب قرار رئاسي.

الدكتور غاري سايمور المستشار السابق للرئيس أوباما في شأن أسلحة الدمار الشامل قال في لقاء هاتفي نظمه «مشروع كلاريون» مع ديبلوماسيين وصحافيين: «إن الطرفين مقيّدان بالسياسات الداخلية، الرئيس أوباما لا يستطيع ان يبيع صفقة نووية إلى الكونغرس تسمح لإيران بامتلاك الخيار النووي الجدي، والرئيس (حسن) روحاني لا يستطيع أن يبيع المرشد خامنئي صفقة نووية تشترط تخلي إيران عن خيار السلاح النووي».

سايمور واضح في معارضته امتلاك إيران السلاح النووي، وهو رئيس رابطة «متحدون ضد إيران نووية» وحالياً في «مدرسة كينيدي الديبلوماسية» في جامعة هارفارد. رأيه انه حتى في حال استحالة التوصل الى صفقة، سيتم تمديد وتجديد الاتفاق المرحلي الحالي لستة أشهر إضافية، لأن ذلك يخدم الطرفين: إيران تتلقى المزيد من رفع العقوبات التدريجية من دون أن تتخلى عن برنامجها النووي. والولايات المتحدة (وحلفاؤها) تمضي في نجاحها بتجميد أهم عناصر البرنامج النووي الإيراني.

رأيه أن إيران «لن تقدم أي تنازلات حيوية» في المفاوضات النووية إلى حين وضوح العلاقة الأميركية– الروسية على ضوء التطورات الأوكرانية. طهران، حسب سايمور، ترى أن الخلافات العلنية بين الولايات المتحدة وروسيا تضعف إجماع 5+1 (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) على تنازلات تطالبها بها، فكسر الإجماع ووحدة صفوف 5+1 هو مطلب إيراني.

رأيه أيضاً أن المرشد خامنئي أدرك جدية الخيار العسكري الأميركي ولذلك قرر المهادنة وأوكل إلى الرئيس روحاني ملف المفاوضات النووية من دون غيرها من الملفات العالقة مع الولايات المتحدة. لذلك سيستمر في المفاوضات، لأنها تفيده، أقله في تحويل إيران بعيداً من الكارثة الاقتصادية، علماً بأن رفع العقوبات ساعد في استقرار إيران نسبياً، من دون أن تتخلى عن طموحاتها النووية.

ما لم تنجح فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو إقناع الشركات الكبرى العالمية أن تنخرط معها قبل نضوج الصفقة النووية. الولايات المتحدة فرضت مجموعة عقوبات على إيران بموجب 6 قوانين بعضها له علاقة بالناحية النووية وبعضها يتعلق بالدعم الإيراني لـ «حزب الله» و «حماس» وانتهاكات حقوق الإنسان داخل إيران.

ليس واضحاً كيف ستقوم إدارة أوباما بتسريح العقد المتراكمة في تلك القوانين والتمييز بين الواحدة والأخرى. الواضح أن أقسى العقوبات التي تريد طهران التخلص منها هي تلك التي تمنع الشركات الأجنبية (غير الأميركية) من التعامل مع إيران، وإلا فالشركات نفسها ستُعاقَب بمقاطعة أميركية لها.

الضرر الأكبر للاقتصاد الإيراني ينتج عن القوات والجهود الأميركية التي تقيّد الصادرات النفطية الإيرانية وقدرة إيران على الحصول على العملة الصعبة لأنها تخضع لعقوبات تمنعها من الحصول على أموال النفط.

إيران تريد رفع العقوبات كلياً عنها عند التوصل إلى الصفقة النووية. وهذا ما لن تحصل عليه، وفق سايمور وغيره من الخبراء. ذلك أن إيران تطالب الولايات المتحدة بسحب أو إلغاء العقوبات بموجب قانون جديد، وهذا يتطلب موافقة الكونغرس على إصدار قانون جديد يلغي القوانين القديمة بما فيها «قانون داماتو» الذي يربط بين العقوبات على الشركات الأجنبية وبين السياسة الخارجية الإيرانية وبالذات نحو «حزب الله» و «حماس».

أفضل ما يمكن الرئيس أوباما أن يقدمه، يقول سايمور، هو أن يمارس صلاحيته للتنازل عن تطبيق العقوبات ذات العلاقة بالناحية النووية فقط كل 6 أشهر، وذلك بإرساله قراره بممارسة صلاحيته للتنازل عن تطبيق العقوبات. نظرياً، يمكن الكونغرس أن يتحدى تلك الصلاحية إذا حصل على دعم ثلثي أعضائه.

إذن، هناك معضلتان أساسيتان في المفاوضات النووية، وهي في الواقع أميركية إيرانية، هما: أولاً أن ايران تريد صفقة تعطيها القدرة الشرعية لأن تصبح دولة نووية في غضون شهور، وهذا ما لا توافق عليه الولايات المتحدة ولا يستطيع باراك أوباما تسويقه مع الكونغرس وحتى الرأي العام الذي يدعمه في تهادنيته مع إيران. وثانياً، أن حكومة إيران تريد من إدارة أوباما ما لا يستطيع الرئيس الأميركي تقديمه مهما رغب في ذلك.

عراقياً، حاولت طهران تسويق نفسها على أنها الشريك الطبيعي لواشنطن في سحق «داعش» ومكافحة «الإرهاب السنّي» في العراق. في البدء تمكنت من حشد الدعم وراء تلك الشراكة خاصة إعلامياً. إنما ما لبث أن توضح لواشنطن أن الشريك الأفضل لها في سحق «داعش» هو سنّة العراق.

ارتأت واشنطن أن قنواتها مفتوحة على سنّة العراق الذين ساعدوا الجنرال ديفيد بترايوس في عملية «الصحوات» لإلحاق الهزيمة بـ «القاعدة» في العراق، فهم خامة معروفة لدى واشنطن.

فإذا تمكن سنّة العراق من إزالة «داعش» وإقامة حكومتهم البديلة من «الإمارة» و «الخلافة» في الموصل، فذلك سيمكّن واشنطن من العمل مع «الصحوات» ومع السعودية والأردن أيضاً للتوصل إلى صفقة بين الموصل وبغداد لتقاسم الحكم. وهذا، بالتأكيد، سيضّر كثيراً بإيران لأنه سينطوي على إضعاف نفوذها ومشروعها وعلى مغادرة نوري المالكي رئاسة الحكومة.

واشنطن تدرك اليوم أن سياساتها في سورية فشلت، وأنها تجاهلت لسنوات عنصر الاعتدال السني المعارض في سورية، ولذلك هي تعيد النظر. تعيد النظر أيضاً في علاقتها بالمعارضة السورية من زاوية موازين القوى ميدانياً. وهناك مؤشرات على اقتناع واشنطن بأنه ليس في مصلحتها التكاتف مع النظام في دمشق ومع «الحرس الثوري» الإيراني في مكافحة «الإرهاب السني» أو الإرهاب السلفي، فواشنطن تدرس الآن مصالحها وضرورة سحقها الإرهاب الذي ينمو في سورية قبل أن يصل ديارها. وهي ترى أن ذلك قد يتطلب شراكة مع السُنَّة الأكثرية في سورية وليس مع الأقلية العلوية، وفق المصادر.

ثم هناك الحدث الفلسطيني– الإسرائيلي، حيث تستغل إسرائيل الصواريخ التي مصدرها إيران والتي تطلقها «حماس». ويأتي ذلك في خضم المفاوضات النووية التي يريد الرئيس أوباما لها أن تتوّج بصفقة لا يعرقلها الكونغرس الذي يعلن بمعظمه أن إسرائيل أولوية له كحليف لا مثيل له في الشرق الأوسط.

اذن، إنها مرحلة صعبة للطموحات الإيرانية، النووية منها والإقليمية والثنائية على الصعيد الأميركي– الإيراني، إنما هذا لا يعني نهاية العلاقة التهادنية بين واشنطن وطهران، ولا يعني إطلاقاً تخلي باراك أوباما عن هدف تسجيل التاريخ له صفقة مع إيران.

الأرجح أن تستمر المفاوضات النووية في حال عدم تتويجها باتفاق نهائي نهاية الأسبوع المقبل. والأرجح أن يفضّل جميع اللاعبين استمرار الوضع الراهن بما ينطوي عليه من تجميد القدرات النووية الإيرانية بما يرضي الغرب، وتخفيف العقوبات تدريجياً بما يفيد إيران.

فإدارة أوباما وحكومة روحاني لا تريدان قطع التواصل الثنائي الذي حدث علناً لأول مرة منذ عقود، وكان ذلك التحول بموافقة المرشد خامنئي.

وللتأكيد، كل هذا لا يعني أبداً استحالة التوصل إلى اتفاق نووي بحلول 20 الشهر الجاري، فالمفاوضات مستمرة، والأطراف المعنية عازمة على إنجاحها، كل لأسبابه.

أما ناحية المباركة الأميركية للطموحات الإيرانية الإقليمية، فإنها -ظاهرياً وربما اضطراراً– تمر في مرحلة إعادة النظر بسبب الظروف التي فُرضَت ميدانياً.

أميركياً، ليس في وسع الرئيس أوباما أن يحجب التطورات الميدانية عن الكونغرس، وهو غير قادر على ضمان ألاّ تؤدي سياساته إلى عودة الإرهاب إلى عقر الدار الأميركي. ولذلك هو يتحسب، فآخر ما يريده لسيرته وتركته التاريخية أن يُقال إنه أعاد الإرهاب إلى المدن الأميركية نتيجة انزوائه وتنصله من الحروب، فيما كان سلفه جورج دبليو بوش أعلن أن حروبه في أفغانستان والعراق حققت هدف تحويل المعارك على الإرهاب بعيداً من المدن الأميركية.