انتظار «كلمة السر» الإيرانية ـ السعودية
مزايدات مسيحية على أبواب شغور موقع الرئاسة
تتسلل عبارة “الشغور في موقع رئاسة الجمهورية” الى المفردات السياسية في البلد. الفراغ غير موجود اصلا في الحياة السياسية، حتى لو كانت لبنانية.
هو الشغور اذا، فاستعدوا ايها اللبنانيون. شغور ينيط بمجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية. ويبدو المجلس، وفق نشاطه وقراراته وتعييناته الاخيرة، على أهبة الاستعداد لـ”تحمل المسؤولية التاريخية”. فـ”إنجازات” حكومة الثلاثة اشهر المفترضة فاقت التوقعات. حكومة نشيطة، فاعلة، تنجز حيث عجز الآخرون. للسياسة اللبنانية ومفاهيمها “طقوس واشارات” يعجز عن استيعابها الا الضالعون في صغائر الحسابات والنكايات والطموحات. وعليه، يمكن لهذه الحكومة ان تواصل “انجازاتها” بالاصالة عن نفسها وبالانابة عن رئاسة الجمهورية الشاغرة.
لكن الشغور الزاحف الى الكرسي الاول يؤكد ما يتكرر تأكيده منذ اتفاق الطائف الى اليوم. اصبح القرار المسيحي في لبنان هامشيا، وتأثير المسيحيين في الحياة السياسية باهت وضعيف وفاقد للبريق.
صحيح ان الاتفاق على رئيس جمهورية يحتاج الى اكثر من توافقات داخلية وان للدول رأيها وللاصدقاء “مونتهم”، الا ان الصحيح ايضا ان المسيحيين اضاعوا مجددا فرصة التأثير والضغط واثبات الحضور، بما ينعكس عليهم، كما على شركائهم المنقسمين، توطيدا للاستقرار وتعزيزا للشراكة الوطنية.
يقول سياسي مسيحي مخضرم ان “الفرصة التي اضاعها المسيحيون اليوم لن تعوّض. لقد اعادوا، بسوء ادارتهم ومقاربتهم لموضوع رئاسة الجمهورية، مفاتيح هذا الملف الى الزعماء المسلمين، سنة وشيعة، فأمسك به كل من الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري وسحبا البساط من تحت اقدام المسيحيين”.
يتابع: “انتقاد السياسيين المسيحيين لا يعني اعجابا بسلوك السياسيين المسلمين. فهؤلاء لا يظهرون حرصا على تقدم لبنانيتهم على مصالح حلفائهم الاقليميين. يتساوى هنا السنة والشيعة. فالمعلومات الاكيدة التي رشحت من لقاءات باريس الحريرية تجزم بأن تيار المستقبل لا يملك اسم مرشح محسوم للرئاسة، لانه ببساطة ينتظر الكلمة الملكية السعودية. اما في مقلب حركة امل وحزب الله فالاسماء العلنية والسرية تتدفق غزيرة، فيما الوقائع تشير الى ان الاسم المحظوظ هو من ستحمله ورقة التفاهم الايراني – السعودي”. يضيف: “بهذا المعنى خسر المسيحيون، وخسّروا معهم البلد فرصة اتمام الاستحقاق بأكبر قدر من الاستقلالية، كان يمكن ان تكرس عرفا للاستحقاقات القادمة”.
يدافع ممثلو الاحزاب المسيحية عن انفسهم، ولا يرون في ادارتهم للاستحقاق الرئاسي ما يستحقون عليه العتب او اللوم. يقول احد نواب “تكتل التغيير والاصلاح” ان النائب العماد ميشال عون “اكبر ممثل اليوم للمسيحيين في السلطة. وبالتالي فالحريصون على حسن تمثيل المسيحيين ومشاركتهم الفاعلة في السلطة، عليهم ان يلتفوا حول العماد عون كما يلتف السنة حول رئاسة الحكومة والشيعة حول رئاسة المجلس النيابي”. يقرّ النائب “باختلافات جوهرية في النظر الى قضايا وطنية واقليمية ودولية بين التيار الوطني الحر واحزاب مسيحية اخرى”، لكنه يرفض بشدة “التشكيك بلبنانيتنا اولا، وحرصنا على السيادة غير المنقوصة، وطموحنا في بناء دولة مدنية ديموقراطية عصرية. ولا يزايدن احد علينا في هذه المواضيع المفصلية”.
لكن المزايدة قائمة. وفي رأي مسؤول في حزب “القوات اللبنانية” فان “التيار الحر احرق المراكب في مواضيع كثيرة تطال حتى ما يفترض انه من الثوابت. اسئلتنا مشروعة حول برنامج العماد ميشال عون في حال وصل الى سدة الرئاسة. هل سيشرع سلاح حزب الله؟ هل سيدعمه بوحدات من الجيش اللبناني لتقاتل معه في سوريا مثلا؟ هل سيرتكز الى فكرة تحالف الاقليات في بناء سياسة لبنان للسنوات القادمة؟ وهل سيواصل نبش القبور واثارة النعرات والاحقاد ويقاطع الحوار بين اللبنانيين؟”.
وعن اضاعة المسيحيين الفرصة في التلاقي حول اسم لرئيس الجمهورية يقول المسؤول “ان انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية وما تحمله من رمزية مسيحية، تبقى قيمتها واهميتها، بموقعها ودلالاتها الوطنية. فالرئيس المسيحي، الذي يفترض ان يحمل في ضميره ما يختزنه الوجدان المسيحي التاريخي من قيم وثوابت، يجب ان يكون لبنانيا اولا وثانيا وعاشرا.. لبنانيا لا يحمل ضغينة نحو أي لبناني آخر، ويؤمن بالدولة وسيادتها ويمارس ايمانه فعلا لا قولا، ويده ممدودة للجميع تحت هذه المعايير. بالتالي لا يمكن للمسيحيين ان يتفرّدوا باختيار رئيس ولا ان ينقطعوا عن التشاور مع شركائهم في الوطن، حلفاء او خصوما في السياسة. المهم ان نتوصل الى انتخاب رئيس يترجم الارادة اللبنانية الجامعة”.