واصل تنظيم «الدولة الإسلامية» تثبيت سيطرته على «ولاية الخير» (دير الزور)، فبسط نفوذه أمس على حقل التنك النفطي، وسط أنباء عن صفقة تضمن تسلمه الشعيطات (الريف الشرقي) قريباً، فيما ازداد وضع «جبهة النصرة» سوءاً، في ظل أنباء عن فرار جميع قادتها خارج المنطقة الشرقية
حقلٌ نفطيّ جديد من حقول دير الزور ضمّه «الدولة الإسلامية» إلى سيطرته أمس، لتصبح الغالبية العظمى من حقول المحافظة في قبضة التنظيم. حقل التنك كان أحدث «غنائم الدولة» وآخر الحقول الرئيسية التي كانت خارج سيطرته. ولم يتطلب بسط النفوذ عليه معارك عنيفة، بل مجرد «اشتباكات متقطعة على مشارفه، قبل أن يفرّ أعداء الدولة»، وفق ما أكده مصدر «جهادي» لـ«الأخبار». وبهذه السيطرة، يكون التنظيم قد حقق واحداً من أهم أهداف «الحرب الأهلية الجهادية».
ويقع الحقل في منطقة الشعيطات (الريف الشرقي). وهي المنطقة التي أكدت مصادر من السكان أن «وجهاءها دخلوا في مفاوضات مع الدولة الإسلامية، ويبدو أن اتفاقاً وشيكاً سيُعقد بين الطرفين». ووفقاً للمصادر، تتمحور المفاوضات حول إعلان الشعيطات خاضعة لنفوذ «الدولة»، على أن يضمن التنظيم لأبناء المنطقة عدم نزوحهم خارج أراضيهم، وعدم تسليم أسلحتهم، وعدم دخول أي عنصر من «الأنصار» (السوريون المنضوون تحت لواء التنظيم) إلى المنطقة، علاوةً على تعيين أمير من أهالي الشعيطات على منطقتهم. وتُشابه هذه البنود تلك التي قيل إنها كانت بنود تسليم الشحيل للتنظيم. لكنّ مصدراً جهادياً مرتبطاً بـ«الدولة» أكّد أن «كل ما قيل عن شروط وضعها أهالي الشحيل لتسليم بلدتهم عار من الصحة». وقال المصدر لـ«الأخبار» إن «المنتصر عادةً هو من يملي شروطه، وبالتالي، فإن دولة الخلافة هي من أملت الشروط».
ووفقاً للمصدر، فإن أبرز شروط التسليم كان «تسليم جميع الأسلحة والذخائر الموجودة في الشحيل للدولة، إضافة إلى إجلاء كلّ مسلحيها (وهم معظم أبناء الشحيل) إلى أجل غير مسمى». وقد حظي هؤلاء في مقابل ذلك بـ«الأمان، وحقن الدماء». إلى ذلك، سيطر التنظيم على بلدة بقرص غربي مدينة الميادين. وقالت مصادر من السكان إن نداءات وُجّهت عبر المآذن تُطالب أبناء البلدة بـ«تسليم أسلحتهم»، تمهيداً لـ«مبايعة الخليفة».
وسبق ذلك «انسحاب مقاتلي جبهة النصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية وكتائب أخرى من البلدة من دون اشتباكات». مصادر ميدانية «جهادية» تحدثت عن فرار جميع قادة «جبهة النصرة» في دير الزور إلى خارج المحافظة. المصادر أكدت أن «بعضهم توجه عبر البادية إلى إدلب، فيما توجه البعض الآخر إلى درعا»، في تطور يدقّ المزيد من المسامير في نعش «الجبهة». وتُعتبر الهزيمة التي مُنيت بها «النصرة» في دير الزور ثاني ضربة قاصمة تتلقاها، بعد خسارتها لمناطق نفوذها في القلمون قبل أشهر عدّة لمصلحة الجيش السوري وحلفائه. ويبدو أن المستجدات الأخيرة تشكل مقدمة لانهيار وشيك يُطيح «جبهة النصرة»، أو يحولها في أفضل الأحوال إلى مجرد فصيلٍ محلي صغير مشتت العناصر، ولا قوة فعلية له على الأرض. تسهم في ذلك عوامل عدة، أبرزها تزايد الانشقاقات داخل «الجبهة»، ومسارعة معظم «المهاجرين» إلى الانخراط في صفوف «دولة الخلافة الإسلامية»، إضافة إلى تتالي هزائم «النصرة»، وخسارتها حقول النفط، علاوة على تضاؤل الدعم الخارجي بالمال والسلاح، الأمر الذي يُرجعه مصدر مرتبط بـ«النصرة» إلى «مؤامرة على الجهاد»، فيما علمت «الأخبار» أن صفقة كبرى أبرمت قبل شهر ونصف والشهر، بين «الدولة الإسلامية» واستخبارات دولة إقليمية.
تعتبر هزيمة
«النصرة» في دير الزور
ثاني ضربة قاصمة بعد خسارتها القلمون
وكانت الصفقة سبباً مهماً من أسباب الهجرات الجماعية من «النصرة» إلى «الدولة»، وعاملاً من عوامل تقوية نفوذ «الدولة» في مناطق انتشاره الأساسية (الرقة، دير الزور، وريفي حلب الشرقي والشمالي)، ما يساعده على سحب عدد من قواته وتوجيهها نحو العراق. وتؤكد معلومات متطابقة أنّ ثمة «توجيهات شرعية» غير معلنة قد صدرت أخيراً عن «مرجعيات جهادية» تحثّ «المهاجرين»على الانضمام إلى تنظيم «الدولة».
كذلك أسهم التقدم الكبير الذي حققه التنظيم في العراق في تأجيج «الحماسة الجهادية» لدى هؤلاء للالتحاق بـ«إخوتهم الذين يُعلون راية الإسلام». وأخيراً، بدأ «إعلان الخلافة» ينعكس في صورة المزيد من «البيعات». ويبدو أن الانقسامات الحادة داخل «النصرة» قد لعبت دوراً كبيراً في مسارعة «المهاجرين» إلى قبول الانضمام إلى بديل يبدو أكثر تنظيماً وتماسكاً وصاحب قرار مركزي. وفي هذا الشأن يقول مصدر «جهادي» انشقّ أخيراً عن «النصرة» إن «هجرتنا كانت بدافع الجهاد ضدّ النصيريين، وسعياً لإعلاء كلمة الله، وإقامة دولة الإسلام، لكنّ الفتنة التي وقعت جعلت بعضنا يسفك دماء بعض. وقد فوجئنا بأن الانقسامات وصلت إلى داخل الجبهة، إلى درجة تُهدد بمزيد من الاحتراب. لذلك كان لا بدّ من هجرة ثانية». وبعد التطورات الأخيرة، بات وجود «النصرة» في المنطقة الشرقية مقتصراً على بعض مناطق ريف الحسكة، كذلك تضاءل إلى حد كبير عديد الجبهة ونفوذها في الجبهة الشمالية (حلب وإدلب). وتحافظ «الجبهة» على جيوب قليلة تحت سيطرتها في ريف حماة، وأجزاء من البادية السورية، فيما تبدو «نصرة الجنوب» أفضل حالاً، عبر وجود قوي في درعا والقنيطرة. وفي بعض مناطق ريف دمشق الجنوبي. غير أن المُعطى الميداني يؤكد عدم وجود وحدة عضوية بين «نصرة الجنوب» وشقيقاتها في باقي المناطق السورية.
«الخليفة في خير»
رجحت مصادر أمنية عراقية أمس إصابة زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» أبو بكر البغدادي في قصف جوي استهدف مواقع في مدينة القائم، غربي الأنبار. صفحات «جهادية» موالية للتنظيم نفت الخبر. وأكدت أن البغدادي لم يُصب، واضعةً هذه الأنباء في سياق «الخدع الاستخبارية لضرب عزيمة المجاهدين، ولمعرفة مكان الخليفة». بدوره، امتنع مصدر من داخل التنظيم عن نفي صحة خبر الإصابة، أو إثباته، واكتفى بقوله لـ«الأخبار» إن «الخليفة بخير والحمد لله».
وتناقلت حسابات تابعة لـ «الدولة» على «تويتر» أنّ «الشيخ البغدادي خطب بالناس وأمّهم في صلاة الجمعة في المسجد الكبير بولاية نينوى».