انطلق الضغط الدولي لانتخاب الرئيس الجديد للبنان بشكل علني، بعدما انتهت عملية الانتخابات الرئاسية المصرية والسورية، وذلك من خلال الزيارة الخاطفة التي قام بها وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية جون كيري الى لبنان للمرة الأولى منذ تولّيه منصبه كوزير لخارجية بلاده منذ عام وأربعة أشهر. وإذ اعتبر البعض زيارة كيري الى بيروت «تدخّلاً» في الشؤون اللبنانية، وجد البعض الآخر أنّها «ضرورية وجاءت في حينها». ويفسّر مصدر ديبلوماسي تزامن هذه الزيارة مع انتهاء الانتخابات السورية مباشرة، على أنّها بمثابة «دعم لحكومة الرئيس تمّام سلام» في ظلّ الشغور الرئاسي المستمر منذ 25 أيار الماضي.
كما يرى أنّها في الوقت نفسه، تُعتبر بمثابة «تحذير» للأطراف اللبنانية من إمكانية حصول الفراغ الشامل في المؤسسات الدستورية إذا ما استمرت الحال على ما عليه لأشهر طويلة. وقد جاء كيري طالباً من الأطراف السياسية ضرورة التوافق على انتخاب الرئيس الجديد في أسرع وقت ممكن، إذ لا يجوز بحسب رأي الولايات المتحدة والدول الحليفة لها، الإبقاء على الكرسي الرئاسي شاغراً في ظلّ المشاكل التي يواجهها البلد حالياً ولا سيما منها أزمة النزوح السوري، وخطر الإرهاب الذي يُهدّد المنطقة والعالم.
فالولايات المتحدة التي لم تتمكّن من إيجاد حلّ للأزمة السورية على مدار ثلاث سنوات وشهرين، يضيف المصدر الديبلوماسي ولم تتمكّن من إزاحة الرئيس السوري بشّار الأسد وتنصيب رئيس جديد لسوريا من المعارضة التي تدعمها، كما لم تتمكّن من عرقلة الانتخابات الرئاسية التي أعادت الأسد الى منصبه لولاية ثالثة، والتي أكّدت مجدّداً «عدم رحيله»، أي خلافاً لكلّ ما تسعى اليه مع الدول الحليفة في المنطقة، وقد وصفت هذه الانتخابات بأنّها «عار»، لم يبقَ أمامها سوى أن تُسارع الى إرسال وزير خارجيتها الى لبنان لتُعلن عن تأييدها لإعلان بعبدا ودعمها للحكومة الحالية من أجل تطبيق بنود هذا الإعلان، والتي تنصّ على التزام الحوار والسلم الأهلي ودعم الجيش والقضاء وتعزيز مؤسسات الدولة والتمسّك باتفاق الطائف، وتحييد لبنان عن سياسة المحاور الإقليمية والدولية والحرص على ضبط الحدود اللبنانية- السورية، والالتزام بالقرارات الدولية ولا سيما منها القرار 1701. على أن يستكمل جولته على بعض دول المنطقة انطلاقاً من حرص بلاده على دعم السلام والاستقرار في المنطقة.
ويقول المصدر بأنّ فشل الولايات المتحدة في «إسقاط» الأسد يدفعها للتعويض عنه في دول الجوار، لكي تُبرهن أنّها لا تزال قوية في المنطقة رغم إعادة انتخاب الشعب السوري لرئيسه الذي هدّدت في السنوات الماضية بإزاحته من السلطة دون أن تتمكّن من ذلك رغم دعمها المادي والمعنوي للمجموعات المعارضة داخل سوريا وخارجها.
أمّا اقتصار لقاءات كيري على رئيسي مجلس النوّاب نبيه برّي والحكومة والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي (كونه يمثّل المسيحيين ولا سيما الطائفة المارونية أثناء خلو الكرسي الرئاسي)، فيجد المصدر أنّها تصبّ في دعم الولايات المتحدة للمؤسسات، والطلب بتعزيز عملها في ظلّ «الشغور الرئاسي» الحاصل وعدم ترك المهل الدستورية تنتهي من دون انتخاب رئيس جديد للبلاد، وإلا دخلت جميعها في الشلل الجدي أو الفراغ. هذا الأمر الذي لا تحبّذه في الوقت الذي تشهد فيه مصر عهداً رئاسياً جديداً، وسوريا تجديداً لولاية ثالثة، رغم وصف أميركا للانتخابات الرئاسية السورية الأخيرة بأنّها «عار»، و«مهزلة» ولن تعترف بنتائجها التي صدرت مسبقاً.
ويقول المصدر بأنّ الولايات المتحدة لا تمانع من الاتفاق على قانون إنتخابي جديد تُجرى على أساسه الانتخابات النيابية في موعدها، في حال بقي التوافق على انتخاب الرئيس الجديد متعثّراً، شرط عدم تمرير هذا الاستحقاق أيضاً الذي سبق وأن تأجّل، من دون أي نتيجة لأنّ الشلل عندها سيصيب كلّ مؤسسات الدولة، الأمر الذي لا يتوافق مع المرحلة التي تشهدها دول المنطقة.
ومن بين النصائح التي أسداها كيري الى المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، شدّد المصدر على ضرورة استفادة لبنان من ثروته النفطية والغازية في المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها، والنهوض بالبلاد الى عصر جديد من النمو والازدهار.
وفيما يتعلّق بإمكانية أن يكون كيري دسّ إسم رئيس الجمهورية الجديد في آذان المسؤولين الذين التقاهم، أوضح المصدر نفسه أنّ الولايات المتحدة لا تحبّذ انتخاب أي من المرشّحين «الصقور» لرئاسة الجمهورية، لأنّها تعتقد أنّ انتخاب أحدهم يمكن أن يُعزّز الحروب السياسية والأمنية التي يشكو منها لبنان وتُهدّد أمنه واستقراره. كما أنّها لا تدخل في لعبة الأسماء، ولكن يهمّها معرفة إسم الشخص الذي بإمكانه الجمع بين فريقي 8 و14 آذار، وإذا ما كان هناك من أمل بالتوافق عليه في وقت قريب. علماً أنّها تفضّل التفاهم الذي يقود الى انتخاب رئيس توافقي، أو على مرشح «وسطي» من خارج الإنقسام السياسي الذي يمنع لبنان من أن ينعم بالهدوء والاستقرار.
ويجد المصدر أنّه على لبنان الاستفادة من التقارب الأميركي- الإيراني، والسعودي- الإيراني، من أجل انتخاب الرئيس القوي القادر على ضبط الأوضاع الداخلية الصعبة وإيجاد الحلول المناسبة لها، أكان قبل إجراء الانتخابات النيابية أو بعدها.