Site icon IMLebanon

“مصر الجديدة” والاضطراب المضبوط!

لا أحد يستطيع القول أن مصر “الجديدة” التي قامت بعد ثورة الشعب في 25 يناير 2011 ثم ثورة 30 يونيو 2013، والتي “هندسها” اللواء عبد الفتاح السيسي والجيش الذي كان الرجل القوي فيه ثم تربّع على رئاستها، لا أحد يستطيع القول إنها تعيش وضعاً أمنياً متردّياً وإنها قاب قوسين أو أدنى من الفوضى الأمنية والفتن المتنقلة. لكن لا أحد يستطيع القول أيضاً إن مصر هذه تعيش استقراراً أمنياً ثابتاً. فمن جهة هناك “الإخوان المسلمون”، وهم يعتبرون أن السيسي ومعه المؤسسة العسكرية المصرية نفَّذ انقلاباً عسكرياً غير مباشر عليهم فأخرجهم من السلطة، وسجن غالبية قادتهم الكبار وفي مقدمهم محمد مرسي الذي وصل إلى رئاسة الجمهورية بانتخابات شرعية وديموقراطية. والمعلومات التي تؤكد اعتبارهم المشار إليه هو أن “حركة تمرد” التي عبأت الشارع المصري ضدهم، وهيّأت للتظاهرات المليونية التي أسقطت مرسي بعد تأييد الجيش لها ساعدت في تأسيسها وإطلاقها هيئات محدّدة داخل المؤسسة العسكرية. وهؤلاء (أي “الإخوان”) لم يُظهروا قبولاً للواقع الجديد، بل رفضوه ولا يزالون على موقفهم السلبي منه. وهم يترجمونه يومياً بالتظاهر حيث أمكنهم ذلك سواء في الشوارع أو في الجامعات والمدارس. ولعل دافعهم إلى ذلك كان ولا يزال إدراكهم أن “النظام الجديد” في بلادهم وتحديداً رأسه ورئيسه السيسي يعتزم إعادة إنتاج النظام الذي أقامه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والذي أبقاه خَلَفاه الرئيسان الراحل أيضاً أنور السادات والمخلوع حسني مبارك، ولكن بعد إدخال “تحسينات تجميلية” عليه تعطي الانطباع أن المشاركة الشعبية فيه قائمة بواسطة الديموقراطية. كما تجعل العالم وفي مقدمه دول الغرب يعتبر أن مصر بانفتاحها الاقتصادي “وإن غير منظّم” تسير على طريقها. ويبدو أن إدراكهم المذكور أعلاه كان في محلِّه، إذ أن ملاحقة “الإخوان” قيادات وقواعد بواسطة الجيش والشرطة والقضاء، ومن طريق اعتبارهم منظمة إرهابية واعتبار أي منتظم في صفوفهم أو أي متعاطف معهم إرهابياً وإن لم يقم بشيء مخالف للقانون أو وإن شارك في تظاهرة، إذ إن إدراكهم هذا جعلهم يقررون الاستمرار في الرفض بوسائل يعتبرونها سلمية ويعتبرها “النظام” عنفية. فهم لم ينسوا أن معركتهم مع الراحل عبد الناصر وبصرف النظر عن الجهة التي تتحمّل مسؤوليتها بعد انقلابه – الثورة عام 1952 كادت أن تقضي عليهم. ولم ينسوا أيضاً أن أخطاء خلفَيه السادات ومبارك، ومعها أخطاؤه السياسية الناجمة عن تقويم غير دقيق للأوضاع العربية – الإقليمية – الدولية هي التي أمدّتهم بالأوكسيجين الذي سمح لهم بإعادة تركيز أوضاعهم الشعبية داخل مصر.

وإلى الاضطراب الذي يثيره صراع الإخوان مع “مصر الجديدة” ورئيسها السيسي، هناك ما هو أكثر من الاضطراب تثيره التيارات الإسلامية الأصولية المتشددة. ففي شبه جزيرة سيناء معقل هؤلاء لم ينجح الأمن والشرطة والجيش في مصر حتى الآن في القضاء عليها. فتارة يوجّهون لهؤلاء كلهم ضربات موجعة، وتارة يتلقون منهم ضربات موجعة. لكنها معركة كرّ وفرّ لا يبدو أن المتشددين سينكسرون فيها، كما لا يبدو أن “النظاميين” سيحققون نصراً نهائياً فيها. والتيارات المتشددة إياها موجودة أيضاً داخل مصر وفي أطرافها وهي تعبّر عن نفسها في أوقات متفرقة بعمليات “إرهابية” ملفتة وإن كانت أحجامها لا تزال متواضعة. والمناطق الحدودية بين مصر وكل من السودان وليبيا “فالتة”. فالأولى تعيش عدم استقرار أمني وسياسي شبه شامل والإسلاميون المتشددون على تنوّعهم قوة مهمة فيها. والثانية دخلت مبدئياً حرباً أهلية، الإسلاميون أنفسهم طرف مهم فيها. وهؤلاء يهرِّبون عبر صحراء مصر مسلّحين وأسلحة، سواء إلى داخلها أو إلى سيناء بعد عبور قناة السويس. وما قتلُ نحو عشرين جندياً مصرياً أو أكثر في المناطق المشار إليها إلا دليل على ذلك. علماً أنه لا يجوز نسيان أو تجاهل ما بدأ يحصل في مناطق “النوبة”، وما كان يحصل وبافتعال من مبارك والسادات ورجالهما من مشكلات بين الأقباط والمسلمين في مصر.

ما القصد من إيراد ذلك كله؟

ليس القصد التعبير عن موقف معارض لمصر “الجديدة” ومؤيّد لـمصر “الإخوانية” بل هو للفت نظر المعنيين في مصر وخارجها أنها ستبقى في حالة اضطراب مضبوط مدة طويلة. علماً أن لا أحد يضمن عدم تطور حالها هذه إلى الأسوأ في حال لم ينتهج نظام مصر سياسة حكيمة وواعية ومقنعة للشعب المصري.