Site icon IMLebanon

«مصيبة داعش» تجمع واشنطن و«حزب الله»؟

«تقاطع موضعي» في مواجهة الإرهاب المتمدد

«مصيبة داعش» تجمع واشنطن و«حزب الله»؟

ليس خافياً أن المواقف التي أطلقها وزير الخارجية الاميركي جون كيري خلال زيارته الاخيرة الى بيروت قد أثارت انزعاج قيادات في صفوف “14 آذار”، لا سيما لجهة دعوته “حزب الله” الى “الانخراط في الجهود المشروعة لإنهاء النزاع في سوريا”، الأمر الذي وجد فيه البعض تعديلا في لهجة واشنطن حيال الحزب، واعترافاً به كقوة إقليمية لا يمكن تجاهلها.

وإثر مغادرة كيري بيروت، حاولت بعض أطراف “14 آذار” استيضاح حقيقة الموقف الاميركي من السفير دايفيد هيل الذي أجريت اتصالات معه للتدقيق في خلفيات كلام كيري، فيما كان هناك من يحاول أن يقنع نفسه بأن ما صدر عن وزير الخارجية الاميركي لا يحتمل المبالغات في التفسير والاجتهاد.

ويبدو ان ضغط الأمانة العامة لـ”14 آذار”، بقيادة منسقها فارس سعيد، نجح في انتزاع لقاء من هيل الذي أصدر بعد اجتماعه مع عدد من أعضاء الأمانة “بياناً تطمينياً” أكد فيه انه لم يتغير شيء في السياسة الاميركية حيال “حزب الله” المصنف “منظمة إرهابية تلعب دوراً مدمراً في سوريا”.

لكن “جائزة الترضية” هذه لا تمنع من طرح التساؤل الآتي: أيهما أهم في الدلالات وأثقل في الوزن، بيان صادر عن السفارة الاميركية في بيروت، أم بيان صادر عن وزير الخارجية جون كيري؟

ثم، مهما كانت براعة “عملية التجميل” لكلام كيري، فإن ذلك لا يلغي حقيقة أن الموقف الذي أطلقه جاء في سياق نص مكتوب وليس رداً على سؤال، وبالتالي فإن ما قاله لم يكن اعتباطياً او مرتجلا، بل أتى عن سابق تصور وتصميم، والأرجح ان هيل نفسه ليس بعيداً عما طرحه كيري.

وهناك في الوسط السياسي من توقف ملياً عند تعمد كيري دعوة كل من إيران و”حزب الله” (مع روسيا) الى المساعدة في إيجاد حل للصراع السوري، من دون ان يكتفي بمخاطبة طهران وحدها، باعتبارها الحاضنة أو الراعية للحزب، وفق أدبيات الخصوم، وكأن كيري يقر بدور متمايز للحزب في سوريا.

والمفارقة، ان كيري تجاهل مخاطبة لبنان الرسمي ومطالبته على سبيل المثال بالعمل لسحب عناصر “حزب الله” من سوريا، منتقياً أن يتوجه الى الحزب مباشرة، من دون سلوك طرق التفافية.

أمام هذه المعطيات التي أفرزتها رسالة كيري من بيروت، من حيث الشكل والمضمون، يبدو واضحاً ان اولوية الولايات المتحدة في هذه المرحلة هي لمواجهة الارهاب المتمدد في المنطقة، والذي أصبح خطره داهماً ومتفاقماً، الى حد بات يهدد بتحويل سوريا، وحتى العراق، الى “أفغانستان” عربية. وعلى هذا الاساس، لا يُفهم كلام كيري في بيروت سوى أنه تعبير عن المراجعة الاميركية لـ”إحداثيات” سياستها، في ضوء تنامي تهديد الارهاب، على قاعدة البراغماتية التي تُعرف بها الولايات المتحدة.

وإذا كان البعض في الغرب يعتبر ان مكافحة الارهاب تتطلب إسقاط نظام بشار الأسد، كونه عنصر جذب للمتطرفين الجهاديين، فإن اصحاب الواقعية السياسية يتوقعون ان تتلاشى هذه النظرية، لان إسقاط الأسد في هذه اللحظة يعني ببساطة انهيار الجيش السوري وقيام دولة “داعش” التي ستصدّر الارهاب الى اميركا واوروبا، تماما كما ان انهيار الجيش العراقي بعد سقوط صدام حسين أدى الى تفشي “القاعدة” وأخواتها في بلاد الرافدين.

وقد أتت سيطرة تنظيم “داعش” على عدد من المدن والمناطق في العراق لتعزز الهواجس الاميركية، وتكرس تقدم أولوية التصدي للارهاب على غيرها في حسابات الولايات المتحدة، وكان لافتاً للانتباه ان واشنطن سارعت بعد سقوط الموصل الى التحذير من ان مقاتلي “داعش” باتوا يهددون منطقة الشرق الاوسط بكاملها.

ولما كان “حزب الله” قد أبلى بلاء حسناً، حتى وفق التقديرات الاميركية، في المواجهات التي خاضها ولا يزال ضد الجماعات التكفيرية في أنحاء عدة من سوريا، وفي طليعتها “داعش”، فإن تقاطعاً موضوعياً وموضعياً يكون قد حصل بين واشنطن والحزب حول مواجهة الارهاب، من دون ان يعني ذلك بالضرورة تواصلا مباشرا او تبدلا جوهرياً في النظرة الإستراتيجية لكل من الجانبين الى الآخر.

وعليه، فإن البنية القانونية لنظرة واشنطن الى الحزب باعتباره “منظمة إرهابية” ليست في طور التبدل، أقله في المدى المنظور، كما ان الكونغرس الذي يسيطر عليه اصدقاء اسرائيل ليس بوارد تخفيف عدائيته للحزب وعقوباته بحقه. وبين هذين الحدين، وجدت الادارة الاميركية هامش تحرك، قد يتسع لنوع من التقاء المصالح مع الحزب وطهران ضد الارهاب، وهذا هو جوهر الرسالة التي أطلقها كيري من بيروت.

وانطلاقاً من هذه المقاربة، يصبح لقاء هيل وأمانة “14 آذار” وما تلاه من بيان للسفارة الاميركية، مجرد “حبة مهدئ” لمن توترت أعصابه بعد كلام كيري في لبنان، علماً أن العارفين يعتبرون أن المشكلة الكامنة لـ”14 آذار” مع هيل تتعلق بميشال عون، وليس بـ”حزب الله”، لا سيما أن هيل هو من المتحمسين للنظرية القائلة إن استقرار لبنان يتطلب انتخاب رئيس قوي للجمهورية، يكون متفاهماً مع “حزب الله” و”تيار المستقبل”، وصولا الى إنتاج البيئة الملائمة لمكافحة الإرهاب في لبنان.

ويُروى أن هيل سأل صديقاً لشخصية بارزة في “14 آذار” عما إذا كانت هذه الشخصية مستعدة لأن تصوت للعماد عون وتؤمن اكتمال عقد الـ65 صوتاً لانتخابه، على ان يتولى “تيار المستقبل” تأمين النصاب، عبر المشاركة في جلسة الانتخاب.

لم يكن السؤال بريئاً، وهو بالتأكيد يحتمل تفسيراً لا يعجب خصوم الجنرال.