يظهر الاستحقاق الرئاسي اللبناني أن رواسب تاريخ نظام حافظ الأسد وبشار الأسد لا تزال قوية ولو إن تقلص الدور السوري في الانتخاب الرئاسي لصالح الدور الإيراني. هذه الرواسب المتبقية بقوة جلية في الانقسامات المسيحية التي شجعها ودفعها النظام السوري منذ مجزرة اهدن التي أسقطت الوزير اللبناني طوني سليمان فرنجية وزوجته فيرا وابنتهما الصغيرة. فارتكبت المجزرة في البلدة الشمالية بوجود سبعة حواجز عسكرية سورية غضت النظر عن دخول المجموعة القاتلة إلى بيت طوني فرنجية لقتله لأن النظام السوري خطط لتقسيم الصف المسيحي. واليوم والفراغ الرئاسي هو على أبواب لبنان ما زال الواقع نفسه. فبدل أن ينظم الصف المسيحي نفسه ويختار مرشحاً موحداً للرئاسة بشكل مستقل من دون تدخل هذا أو ذاك تحت راية السيادة والاستقلال ويستعين بالنموذج الذي يجري في الانتخابات الغربية في الأحزاب من انتخابات أولية فيها لاختيار المرشح، ها هم الآن يتنافسون على كرسي الرئاسة وهم مدركون أن الوضع الحالي لن يوصل أحدهم إلى الرئاسة. فيبقى لبنان من دون رئيس مع «حزب الله» المهيمن على البلد.
وجلسة مجلس النواب يوم غد الخميس للتصويت لرئيس جديد ستسفر عن تعطيل مجدد إلى المهلة الدستورية المنتهية يوم الأحد المقبل لانتخاب خلف للرئيس ميشال سليمان. إن الدور الفرنسي في لبنان أيضاً تراجع. فتاريخياً كانت باريس تتحرك بقوة وديناميكية أكبر مما هي الآن. فهي منهمكة بمشاكلها الاقتصادية وإمكانياتها تقلصت بشكل كبير. ورئيسها فرنسوا هولاند تربطه علاقات واهتمامات قوية في لبنان ويعرف الملف اللبناني بحذافيره ولكنه كثيراً ما يلقي عبء الديبلوماسية على وزيره لوران فابيوس الذي له كل النفوذ في السياسة الخارجية. وفابيوس يرى مصاعب الرئاسيات في لبنان وهو حذر جداً منها. ولا يريد التدخل. ولكن بين عدم التدخل واللامبالاة هناك موقف وسطي بإمكانه المساعدة ودفع الأمور.
انتخاب الرئيس ميشال سليمان تم في الدوحة بجهود قطرية وتفاهم سعودي وفرنسي. واليوم تعول باريس ولندن وواشنطن على انتخاب في الموعد. واشنطن سلمت سفيرها ديفيد هيل وفرنسا الاهتمام بالرئاسة اللبنانية ولندن تتحرك عبر سفيرها توم فليتشير النشيط في لبنان. ولكن أين الحراك الفرنسي الإقليمي. فمدير الشرق الأوسط في الخارجية جان فرانسوا جيرو زار طهران للقاء المسؤولين حول الموضوع وهذا مشكور ولكن المطلوب تحرك رئاسي أو وزاري مع العواصم الإقليمية لحل العقدة. فوحدها باريس لديها علاقات مع «حزب الله» ولديها علاقات جيدة مع جميع قوى ١٤ آذار. ولديها ديبلوماسيون مستشرقون بارعون في القصر الرئاسي وفي الخارجية. ولكن القيادة الممثلة برئيسها ووزير خارجيته حذرة من التحرك في موضوع معقد وصعب حيث كان لفرنسا دائماً وجود فيه. إن الوزير فابيوس حذر من التحدث مع نظيره الإيراني ظريف لأنه يعرف أن النظام الإيراني إذا باعه الانتخاب الرئاسي في لبنان يريد ثمن ذلك على صعيد الملف النووي. وفابيوس متشدد في هذا الملف.
إن المطلوب دفعة أقوى من الترداد الكلامي بضرورة الالتزام بالموعد الانتخابي الدستوري. فالمطلوب مبادرة فرنسية عربية إقليمية لحض الأطراف في لبنان على انتخاب رئيس كي لا يبقى المركز المسيحي الأساسي في لبنان شاغراً مع «حزب الله» مهيمن على البلد. فتحرك فرنسي مع أصدقاء هذا البلد الإقليميين وهم كثر وفي طليعتهم السعودية والدول الخليجية الصديقة للبنان من قطر إلى الإمارات والكويت ومع القوى الإيرانية المؤثرة على «حزب الله» والتي حلت مكان الدور السوري قد يؤدي إلى إنقاذ الموقع الرئاسي في لبنان الأساسي لمسيحيي لبنان الذين تربطهم بفرنسا علاقة تاريخية ينبغي أن تبقى في أذهان القيادة الفرنسية.