معركة عرسال: من تخوم القلمون إلى تخوم المخيمات
سباق بين «المستقبل» وحزب الله على توظيف النتائج!
لوقت ليس بقصير، ستبقى معركة عرسال، في واجهة المتابعة، على أصعدة شتى، منها ما يتعلق بالجهات التي يُطلق عليها «مسلحة» أو «تكفيرية» أو «إرهابية» أو «متطرفة»، ودورها، وعما إذا كانت لديها أجندة خاصة بالساحة اللبنانية، التي أضحت منذ أكثر من سنة ساحة «جهاد» وليس فقط ساحة نصرة، ومنها ما يتعلق بالجيش اللبناني، وعما إذا كان جُـرّ إلى كمين، أو وقع نتيجة «حسابات ليست دقيقة»، أو ما يمكن أن يتردد على لسان هذا السياسي أو ذاك في الغرف المغلقة، ولكن على مرأى ومسمع من عقول تبصر، وآذان تسمع، وعيون ترى وتشاهد. ومنها ما يتعلق بـ «حزب الله» الذي يبقى أحد الأهداف الكبرى، أو الهدف الرئيسي، لأي استهداف للوضع اللبناني، سواء أكان بإعادة ترتيب الوقائع السياسية أو الميدانية، او حتى الدبلوماسية، بما فيها الوقائع المتعلقة بالمشرق العربي، والأدوار العربية والإيرانية والتركية فيه، فضلاً عن «المايسترو الأميركي» الذي لا يقف وراء صياغة الخطط، والحروب الصغيرة، أو «تدمير الجماعات» من داخلها، بهدف السيطرة الموضعية، على نفط هنا، أو ثروة هناك، ومياه دافئة أو مالحة، مع تبدّلات المناخ، وارتفاع درجة حرارة الكوكب الارضي، بما فيها تقلص المساحات الخضراء، لمصلحة الجفاف المولد «للانزياحات البشرية» والهجرات، والتمركز في المدن وحولها، بحثاً عن فرص العمل أو الجريمة والعنف والسجون والمنافي والملاحقات، وتجارة الأسلحة، وتوليد المافيات.
من الثابت أن انفجار الوضع في عرسال ليس ابن ساعته، ولم يكن وليد كمين سقط فيه لحزب الله عدد من الشهداء يتراوح بين 13 و15 في أحد أودية القلمون، ذات الامتداد الجغرافي على القلمون السوري، والبقعة العرسالية، التي يأوي إليها «المسلحون» لغير سبب، تمويني، أو تمويهي، أو للاستراحة، و«مشاهدة الزوجة والأولاد» أو تفقّد خيم النازحين ونطاق امتدادهم في البلدة البقاعية التي تحتضن فوق ترابها وفي ساحاتها وشوارعها وفنائها ما لا يقل عن 135 ألف نازح سوري، أو ما يزيد أربعة أضعاف على سكانها المقيمين والمغتربين.
كما يتردد في بعض مجالس الأكثرية النيابية، أو دوائر 14 آذار، وليس كما يتردد في إعلام 8 آذار، والأندية التابعة لها من أن ما حصل عبّر عن ضربة استباقية، كان من ثمارها إحباط خطة لما يسمى تنظيم «داعش» (الدولة الإسلامية في سوريا والعراق) تقضي باحتلال الجغرافيا الممتدة من عرسال إلى بعلبك، لقطع إمدادات حزب الله البرية من وإلى سوريا، عبر الهرمل وحمص، كخطوة إذا حصلت يُصار إلى «إطباق آخر» في منطقة أخرى، كطريق الساحل التي تربط الجنوب ببيروت، الأمر الذي يعني تقطيع أوصال جغرافيا حزب الله، وتكامله مع الجغرافيا السورية التي يقاتل عليها جنباً إلى جنب قوات النظام السوري برئاسة الرئيس بشار الأسد، الذي أعيد انتخابه لولاية ثالثة تنتهي في حزيران من عام 2021.
وبصرف النظر عن كل «السيناريوهات» الصحيح منها، والمتوهم، أو البعيد عن الواقع، فان معركة عرسال، كوّنت سلسلة من الوقائع الميدانية والسياسية، وترتبت عليها جملة من النتائج الميدانية والسياسية.
أولاً: في الوقائع: لا ريب في أن معركة عرسال، التي ابتعد فيها «حزب الله» عن دائرة الضوء، هي امتداد لمعركة القلمون، وتظهر صعوبة المواجهة التي حصلت على الأرض، أن «الجماعات المسلحة» بصرف النظر عن القدرة المثيرة لديها على تحشيدالعناصر بالآلاف، وليس بالمئات، فان مقاتليها يتمتعون بتدريب واستعداد للموت، وهمجية تفوق التصور، وهذا ما دلت عليه العدوانية التي تعرض لها جنود وضباط ورتباء الجيش اللبناني.
أثبتت المواجهة أن «العناصر المسلحة» التي فقدت ما لا يقل عن 150 عنصراً بين قتيل وجريح وأسير، أن عملية الحسم الميداني، ليست بالسهولة المرتجاة، ومن هنا كانت مطالبة قيادة الجيش اللبناني بالطائرات لتتمكن من ملاحقة «العناصر المتطرفة» وقصفها في الاودية والهضاب والجبال الوعرة، التي اعتادوا على العيش فيها، منذ اندلاع معارك حمص والقلمون قبل سنة وأربعة أشهر تقريباً.
ومع ذلك، فإن «هذه الجماعات» وفقاً لبيان «جبهة النصرة» هي التي طالبت بتوسط «هيئة العلماء المسلمين» لوقف المعارك وإظهار الاستعداد للانسحاب من أرض عرسال، إلى خراجها، وإلى الجرود المتصلة بها.. لأسباب عدّة، قوة ضغط الرأي العام اللبناني والعرسالي والبقاعي والسني (بصورة خاصة) ضد هؤلاء، وتحميلهم مسؤولية تدمير البلدة، ومضاعفة معاناة النازحين السوريين، وتوليد حالة من الكراهية ضد هؤلاء المسلحين، وضد «الثورة السورية» والنازحين الآتين غصباً عن إرادتهم الى لبنان، للإيواء والاحتماء من النار الحارقة للأخضر واليابس في بلادهم.
كل التقارير التي تتحدث عن دور لحزب الله في المعارك، لا تثبت ما لم تدمغ الوقائع الميدانية، المعطيات التي تنطوي عليها هذه التقارير.
ثانياً: في النتائج: قد تكون عودة الرئيس سعد الحريري إلى بيروت، سواء أكانت هذه العودة مؤقتة أم دائمة أم نهائية، فإنها جاءت غداة معارك عرسال، والتحرّك السريع لخادم الحرمين الشريفين، لاتخاذ ما يلزم من مساعدات وتوجيهات وقرار يقضي بالتصدي «للإرهاب» والوقوف إلى جانب الجيش اللبناني، والتعايش اللبناني، والوحدة الوطنية.
تتحدث المعلومات عن تقديرات سياسية، كان حدها الأدنى أن الوضع يمكن أن يكبر، ويصبح خارج السيطرة، ما لم يحسم الموقف الرافض للنصرة و«داعش» وأي تنظيم سوري مسلح يقاتل على الأرض اللبنانية.
في السباق إلى مَن يدعم الجيش في معركة عرسال، لتأتي النتائج لصالحه، جرى توقف عند مساعدة الجيش السوري أو حزب الله لجهة عدم الحماس.
كسب الجيش ومعه لبنان جولة عرسال الأولى، لكن المواجهة لم تنته، وإن كانت حدودها ممتدة، ولن تقف عند تخوم مخيمات اللاجئين من سوريين وغيرهم؟!