يعتبر باحثون أميركيون متخصصون في العراق أن تكليف حيدر العبادي تأليف الحكومة العراقية الجديدة واحد من تطورات عدة حصلت أخيراً، من شأنها تحسين الوضع الإستراتيجي للعراق وشعبه بطريقة ملموسة. أما التطورات الأخرى فكثيرة أبرزها ثلاثة هي الآتية:
1 – إعلان “حكومة” كردستان العراق الحرب على تنظيم “داعش” وانخراطها في القتال ضده، وخصوصاً بعد تشكيله خطراً جدياً عليها وعلى شعبها في أعقاب نجاحه غير المحسوب والسريع في السيطرة على نحو ثلث جغرافية العراق. وقد حصل ذلك في الرابع من شهر آب الجاري عندما أعلن رئيس الحكومة مسعود البارزاني الحرب المشار إليها “وحتى آخر نفس”. علماً أن الأكراد كانوا قبل هذا التاريخ يتفرجون على ما يفعله “داعش”، ويكتفون بممارسة حماية إقليمهم. ولو استمروا على هذا الموقف لكانت علاقتهم بدولة العراق الفيديرالية التي تحارب من أجل بقائها انتقلت من التردي المعروف أيام حكومة نوري المالكي إلى توتر شديد وخطير. ويعني ذلك أن مكونات حكومة الوحدة الوطنية العراقية تواجه عدواً مشتركاً وتتعاون بجدية ضد الإرهابيين.
2 – التدخُّل الخارجي. فالولايات المتحدة والمجتمع الدولي صارا أكثر انخراطاً في الحرب ضد “داعش” وذلك عبر توفير الدعم العسكري والإنساني لـ”الحكومة الكردية”، وكذلك للأقليات في شمال العراق. وقد أظهرت الغارات الجوية الأميركية على أهداف “داعشية” مختارة بدقة، أنها كانت حاسمة في توفير الحماية للأيزيديين في “سنجار”. ويؤمل أن يبقى ذلك عاملاً رئيسياً في حماية الأقليات، وفي تعزيز حظوظ النجاح للهجمات العسكرية المضادة التي قام ويقوم بها “الجيش الكردي” وجيش الحكومة العراقية.
3 – “الانتقال السلمي” للسلطة في العراق. فالعالم تلقّى تأكيداً يفيد أن رئيس الحكومة المنتهية ولايته نوري المالكي سيٌستبدل برئيس جديد يبدو أنه يحظى بدعم داخلي ودولي قوي. والأمل في تنفيذ انتقال سلمي ونسبياً سريع للسلطة، يٌفترض أن يشرِّع الأبواب أمام تسويات داخلية في العراق أو تفاهمات أو ربما صفقات، وأمام دعم دولي أوسع لدولة أو لبلاد هي في أمسّ الحاجة إليهما.
انطلاقاً من ذلك، يقول الباحثون الأميركيون المتخصصون في العراق أنفسهم إن نجاح الحكومة الجديدة في المحافظة على الزخم السياسي والوطني والعسكري سيسمح بحصول سلسلة من التطورات الإيجابية. وسيكون ذلك نقطة تحوُّل في أزمة العراق الحالية. والقيادة التي سيوفرها أو سيمارسها رئيس الحكومة الجديد ستكون حيوية وأساسية. وهناك إشارات مشجعة تفيد أن الولايات المتحدة ستجد فيه، أي في حيدر العبادي، شريكاً مؤهلاً وقادراً.
ما هي الفروقات بين السلف نوري المالكي وخلفه المهندس حيدر العبادي رغم كون كل منهما عضواً في “حزب الدعوة”؟
الباحثون الأميركيون يلخصونها بأربعة هي الآتية:
1 – العلاقة المحدودة لعبادي بإيران. فهو خلافاً للمالكي، أمضى معظم عقود نفيه في بريطانيا وليس في إيران أو سوريا أو لبنان. وعلاقاته وارتباطاته بإيران محدودة جداً. فضلاً عن أنه لم يزرها منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
2 – انفتاح العبادي على السُنَّة. إذ رغم خسارته شقيقين في عهد صدام حسين أبدى انفتاحاً نسبياً على العراقيين السنّة. ويبدو أنه يمتلك نظرة إليهم أقل قسوة وشدَّة من المالكي.
3 – تركيز العبادي لن يقتصر على الأمن فقط. فهو أمضى أكثر من 20 سنة في بريطانيا حيث عمل في القطاع الخاص، وأدار بنجاح مشروعات هندسية عدّة. وقد يدفعه ذلك إلى التركيز على قضايا الاقتصاد والإنماء المتنوِّع. إلاّ أن قلة خبرته في الأمن لا بد أن تدفعه إلى التعاون مع فريق عمل متخصص وذلك أمر مستحب ومطلوب.
4 – إتقان العبادي اللغة الإنكليزية كتابة وتحدُّثاً بخلاف المالكي. ومن شأن ذلك تسهيل إقامته علاقات جدية عميقة مع زعماء العالم ومع مسؤولين كبار في دولِه وخصوصاً أميركا.
ما أهمية الفروقات المذكورة أعلاه؟
أهميتها تكمن في أنها ستتيح له بعد تأليفه حكومته وحصولها على الثقة النيابية، الحصول على دعم واضح من الشركاء الدوليين للعراق، وفي أنها تمنحه فرصة لأن يكون أفضل قائد أو زعيم في العراق بعد مرحلة صدام. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: أليست هناك مبالغة في تحليلات الباحثين لشخصية العبادي ولظروف تولِّيه رئاسة الحكومة؟