لم تعد تنفع لعبة المقارنة (وأي لعبة؟) بين ارتكابات وفظاعات الاسرائيليين في حق الفلسطينيين وارتكابات وفظاعات الممانعين الأسديين في حق الشعب السوري.. الأمر صار أو يكاد ضرباً من العبث اللغوي والترف الفكري الذي لا يليق، بأي شكل وأي حق وأي منطق، بالدم العربي المسفوك في الموقعين. وذلك في كل حال لا يحجب ولا يغطّي ولا يلوّن الحقيقة الأخيرة القائلة بأن الضحايا متشابهة، تماماً مثل تشابه الجلاّدين.
لكن المقارنة تبقى في موضعها الطبيعي في شأن قصّة المقاومة. وما إذا كانت واحدة(!) وما إذا كان الشعار والإطار والمنطلق والسياق واحدا. وفي ذلك، لا يُهان العقل ولا الفؤاد، عندما يأتي الاستنتاج بأننا إزاء شكلين ومضمونين وطبيعتين لهذه «المقاومة». بل الأصحّ فوق ذلك، هو أن أمر واحدة من المقاومتين، أي تلك المختصة بـ«حزب الله» وحلفه، صار حمّال أوجه وابتعد عن اليقين التوصيفي والوظيفي.
.. وفي هذه المقارنة بديهيات انتكست ومُسحت بالأرض. ولن يغير علوّ الصوت على وضاعة الحقيقة وإن كان الاكتفاء بالعناوين كافيا في ذاته بحيث ان البوصلة تدلّ على الجغرافيا شكلاً وعلى الغايات والمرامي مضموناً. وبحيث انه صعب بل مستحيل افتراض ما يفعله «حزب الله» في سوريا ضد شعبها وثورته (نعم ثورته!) إشكالاً مؤقتاً فرضته ظروف قاهرة أو استثنائية! بل الواضح والذي صار أوضح، هو أن ذلك الفعل يمكن إدراجه تحت عناوين كثيرة، سياسية ومذهبية وإيرانية، لكن ليس من بينها عنوان اسمه «المقاومة»!.
الواضح الذي لا يُجادل هو أن المشرق العربي يضجّ ويئن ويتلوّى تحت وقع فتنة مستشرية ما كانت لتستشري لولا «مقاومة» «حزب الله»!. وإن عالم المسلمين برمّته، من أوله الى آخره، يضجّ ويئن ويتلوى تحت وقع الفتنة وملابساتها ومخاطرها. وإن ذلك في جملته لا يمكن أن يكون نتيجة خطأ في التشخيص الفكري والنظري لعموم المسلمين، بل نتيجة تراكمات ولّدتها ممارسات ومشاريع ايرانية واضحة، مباشرة وبالواسطة.. وأول وأهم وسائطها كان «حزب الله» ولا أحد سواه.
صعبٌ أن يُقال بعد اليوم، للضحية السوري وشقيقه العراقي، وقبله اللبناني، ان المقتلة اللاحقة به هي فعلٌ مقاوم لا يُشقّ له غبار! وان الفتنة الفاتكة به وبأمّته واجتماعه ودولته ومؤسساته وبنيته هي في سبيل مقاومة آيلة الى تحرير المقدسات المغتصبة! أو الذود عن تلك التي لم تُغتصب بعد!
وصعبٌ بالمنطق والكلام السهل والمباشر والتلقائي، إقناع الجمهور العربي والاسلامي ان قتل الشعب السوري هو ذاته يعني قتل الجنود الاسرائيليين في غزة! وان الدفاع عن بشّار الأسد هو ذاته دفاع عن فلسطين! وان التغنّي بارتكابات المالكي هو ذاته جهاد في سبيل الله والأمّة! وان الفتك بالاجتماع الأهلي والسياسي اللبناني هو ذاته فتك بمشاريع الصهاينة وداعميهم! وان الطفل السوري الذي يُقتل ببرميل بارود أسدي لا يشبه الطفل الفلسطيني الذي يقتل بغارة اسرائيلية! وان العائلة السورية التي هجّرت من أرضها ورزقها وانتهكت كرامتها واستُبيح دمها على أيدي جلاوزة وشبّيحة الممانعة، لا تشبه العائلة الفلسطينية التي تفتك بها الآلة الحربية الاسرائيلية!
.. لم يعد الأمر مباراة في اللغة ولا استعراضا لرفعة الصوت ودقّة الفكرة، بل صار في مكان آخر، بعيد وناء وغريب. لكنْ فيه بالتأكيد مفهومان متناقضان (جذرياً) لشيء واحد كان اسمه في ما مضى «مقاومة»!
علي نون