التطورات الدرامية في المنطقة وفي العراق خصوصاً، فرضت نفسها على المشهد اللبناني الذي يتأثر بشكل أو بآخر بما يجري في المحيط المشتعل. وهي استدعت قراءة سياسية وأمنية مختلفة عمّا كان عليه الوضع في السابق، لجهة إعادة ترتيب الأولويات الأمنية، بالاستناد الى الأوضاع الميدانية في الجوار سواء في العراق أم في سوريا، والهدف واحد وهو تجنب امتداد نيرانها الى الداخل القابل للاشتعال في أي لحظة، بحسب التجربة القريبة جداً التي عاشها لبنان سواء في التفجيرات الانتحارية أو في العمليات العسكرية على الحدود.
خطورة المستجدات الأمنية هذه، عبّرت عنها في الأيام والساعات الأخيرة تحركات ومواقف وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، الذي جعل مسألة مكافحة الإرهاب متقدمة على كل الملفات الأخرى، وهو وضع أسس المعالجة في إطار الخطة الاستباقية لأي انتكاسة محتملة، فكان سعيه حثيثاً لإعداد خطة أمنية كفيلة بمعالجة أي خلل افتراضي في مكمنه، قبل أن يتسع ويتمدد، لأن الساحة اللبنانية لا تحتمل فلتاناً أمنياً قابلاً للانفلاش في كل مكان، وهو اختار المعالجة في الأماكن التي يحتمل أن تكون نقاط توتر وتفجير أمني، سواء في سجن روميه الذي بقدر ما هو معضلة إنسانية، يبقى مشكلة أمنية بامتياز، أم في محيط المخيمات أم في نقاط تجمّع النازحين السوريين في الداخل، وعلى الحدود حيث ينتشر الجيش والأجهزة الأمنية لمواجهة الخروق الأمنية والعسكرية.
الخطة التي يواكبها وزير الداخلية بواسطة الأجهزة الأمنية الواقعة تحت سلطته بالتعاون مع الجيش اللبناني، ليست وليدة الساعة ولا هي مرتبطة بمستجدات الساحة العراقية على أهميتها فحسب، إنما تندرج في أولويات برنامج عمل المشنوق وتيار «المستقبل»، لا سيما وأن المشنوق سبق وأعلن منذ تسلمه مهماته الوزارية أن مواجهة الإرهاب تتصدر خطة عمله، وأنه مستعد للذهاب بها الى الحدّ الأقصى.
الملف الأمني غير المستجدّ له أسبابه ومبرراته، نتيجة ما يجري على الأرض السورية، الا أن تزايد أعداد النازحين، وانفلاش هؤلاء بشكل غير منضبط على مساحة لبنان، من دون أن تجد الحكومة السابقة حلاً لهذه الأزمة، وتقاعسها عن تحمّل مسؤولياتها في إقامة مخيمات آمنة لهم قرب الحدود في البقاع والشمال بالتعاون مع المنظمات الدولية والأمم المتحدة، ضاعف من الخطر الأمني، واستدعى من قبل الحكومة الحالية وخصوصاً وزارة الداخلية، رفع حالة التأهب واليقظة السياسية والأمنية، وفرض إجراء قراءة معمقة لها، تحسباً لمواجهات قد تحصل على الأراضي اللبنانية، حتى بين المجموعات السورية المؤيدة للنظام من جهة والمعارضة له من جهة ثانية. ولعلّ المشهد الذي عاينه اللبنانيون إبان «بروباغندا» الاستفتاء على «الولاية» الثالثة لبشار الأسد في السفارة السورية، وما رافقها من تحركات استفزازية من الموالين للأسد، والردّ عليها من قبل المعارضين باعتصامات، وحالات تمرّد على محاولات إرغامهم على التصويت لمن «قتل أبناءهم ودمّر بلدهم» ما هي الاّ «بروفة» مصغرة، عن السيناريو الأسوأ المتوقع، والتحسب لتطورات قد تؤدي الى تفلّت الأمور من عقالها.
فالخطة الأمنية التي بدأت في طرابلس، وامتدت الى البقاع وهي في طريقها الى بيروت والضاحية الجنوبية، حققت بحسب مصدر أمني بارز «نجاحاً كبيراً ومهماً، يجب الاستفادة من الظرف السياسي الذي ساهم في ترسيخها». لكن هذه الخطة، كما يؤكد المصدر لـ«المستقبل» باتت بحاجة الى تحديث (update) في ضوء المستجدات التي تحصل الآن في المحيط أولاً، وفي ظل الخروق التي تشهدها الحدود في البقاع من عمليات توغل وإطلاق نار واشتباكات مع الجيش واختطاف مواطنين من قبل مسلحين سوريين، تكثر التكهنات حول هوياتهم والتنظيمات المتطرفة التي ينتمون اليها». ويشدد على أن «هذه النافذة المقلقة والتي تحدث اضطرابات أمنية يجب إغلاقها بشكل كامل ونهائي، حتى لا تكون مدخلاً لتدهور أمني وعسكري على الحدود، تلاقيه مجموعات وخلايا نائمة في الداخل بأعمال إرهابية وتفجيرات قد تُعيد خلط الأوراق، وتُعيد الأمن الى حظيرة الفوضى بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الاستقرار والهدوء الأمني الناجح».
«الوضع وإن كان مقلقاً، الا أنه لا يستدعي تعميم حالة من الرعب، والتسويق لسيناريوات أمنية مخيفة قادمة على لبنان»، يضيف المصدر، «باعتبار أن التهديد الذي قد يطال لبنان هو أقلّ خطراً من العراق وسوريا، بسبب البعد الجغرافي عن بقعة سيطرة داعش أولاً، والإجراءات التي يتخذها الجيش على الحدود، غير أنها تستدعي الآن رفع الجهوزية الأمنية والعسكرية على كل مساحة الوطن، وتفعيل العمل الأمني وجمع المعلومات لإحباط أي عمل إرهابي قد يحضّر في هذه المرحلة للبنان».