تتركّز سياسة لبنان بالنسبة إلى الوافدين السوريين قسراً إلى أراضيه، على جملة أهداف هي:
– أنّ لبنان لن يسمح بالتوطين السوري على أرضه على غرار موقفه بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين.
– لن يسمح لبنان بجعل إقامة هؤلاء مديدة وطويلة، لا بل موقته، من أجل عودتهم إلى ديارهم في أقرب وقت، لا سيما وأنّ مناطق سورية باتت آمنة.
– تقليص أعداد الوافدين، وضرورة إعطاء صفة النازح أو اللاجئ فقط للذين يستحقونها، أي أنّ كل سوري ليس نازحاً حقيقياً يجب ألاّ تعطيه المفوضية العليا للأمم المتحدة هذه الصفة.
ولبنان، استناداً إلى مصادر ديبلوماسية، لديه ملاحظات كثيرة على تعاطي المجتمع الدولي مع ملف هؤلاء الوافدين. لبنان يعتبر وجودهم تهديداً لوجوده في حال تفاقم الأمور، أي أزمة وجودية، والمجتمع الدولي يعتبر الأمر أزمة عادية، فقد بات في لبنان مليون ونصف المليون سوري، ويعتبر أنّه طالما أنّ معظم هذا العدد يتلقى مساعدات وخدمات مجّانية وتغطية صحّية وتربوية وغذائية فذلك يساعده على البقاء في لبنان. وفي النهاية ليس مضطراً لأن يبرّر سياسته حيال هؤلاء إلى العالم.
ويتبيّن من مراجع ديبلوماسية دولية، أنّ الدول تدعم لبنان في مطالبه شرط أن يضع آلية واضحة لخطته، وشرط أن يُصار فوراً إلى انتخاب رئيس للجمهورية وإلى إعادة الحياة إلى المؤسسات الدستورية، حتى أنّه في حال أراد لبنان مساعدات من الدول المانحة لتحمّل أعباء هؤلاء، أو أراد منها تسديد التزاماتها التي تعهّدت سابقاً تقديمها، فلا بد أن يتمّم هذين الشرطَين. على أنّ الدول أوضحت للبنان ضرورة أن يطلب المستطاع في مسألة عدم قدرته على تحمّل أعباء هؤلاء، في حين أنّ لبنان يرى أنّ تشدّده الأخير في مسألة هؤلاء وعدم الموافقة على مخيّمات لهم داخل لبنان هو قرار سيادي، على اعتبار أنّ أي تشجيع وتحفيز لهؤلاء على العودة إلى قلب سوريا لا سيما للحصول على مساعدات دولية، يؤدي إلى تخفيف الضغط عن لبنان، علّ ذلك يؤدي بهم إلى التمركز داخل سوريا خصوصاً في المناطق الآمنة.
في علامات الاستفهام الدولية حول الخطة اللبنانية هذه، ما يتّصل بأمن السوريين العائدين إلى ديارهم إذا ما أرادوا البقاء بعد الحصول على مساعدات دولية بموجب القرار الدولي الجديد لإيصال إمدادات للسوريين داخل سوريا والذي يعدّ استكمالاً للقرار السابق 2139، وضمان أمن هؤلاء، لكي لا تشكّل عودتهم خطراً عليهم داخل سوريا. الدول تريد أن تكون الخطة اللبنانية وافية لكل النواحي المتّصلة بالوافدين السوريين، ولو أنّ ذلك ليس من مسؤولية لبنان. فعلى الدول في هذه الحالة أن تشجّع وتضغط في اتجاه حصول تسوية سياسية داخل سوريا تتيح عودة الأمن والاستقرار، وليس أن تطلب من لبنان تحمّل عبء مصير هؤلاء.
وتفيد هذه المراجع أنّ التعاطف الدولي مع لبنان والموجود حالياً، يحتاج إلى الوفاء بهذين الشرطَين: الانتخابات الرئاسية وانتظام عمل المؤسسات الدستورية. وإذا لم ترد الدولة أن يُطلق على هؤلاء اسم لاجئين فلماذا سمحت من الأساس بعبورهم إلى لبنان، وعلى أي أساس يدخلون النقاط الأمنية لكي تأتي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لتطلق عليهم صفة لاجئ أو نازح، وما هي التدابير التي اتخذت لتعزيز آليات الرقابة على توافدهم إلى لبنان وخروجهم منه؟ ولماذا لم تقم الدولة بدورها هذا؟
وإذا أراد لبنان إلغاء صفة النازحين عنهم، لا سيما للذين يدخلون إلى سوريا، يجب أن يكون ذلك في إطار خطة متكاملة وواضحة، لكي يدرك المجتمع الدولي تماماً ماذا يريد لبنان، وما هو مصير قرار وزير الداخلية في هذا السياق. وتجد هذه المراجع أنّ هناك فارقاً بين تخفيف عدد هؤلاء وبين إرسالهم إلى سوريا لتلقي المساعدات هناك، وبالتالي يُفترض إيجاد آلية عمل واضحة تترجم هدف الحكومة اللبنانية بالتحديد.
منذ البداية موضوع الوافدين هو موضوع شائك، ولا علاقة لسياسة النأي بالنفس عن الوضع السوري سياسياً به. لبنان التزم إنسانياً بالمساعدات وأبقى حدوده مفتوحة لاستقبالهم، على عكس ما سلك الأردن وتركيا اللذان أقفلا حدودهما أمام النزوح لعدم قدرتهما على استيعاب أكثر مما استوعبا. لبنان لم يعزز مراقبته على الحدود ولم يمنع تغلغلهم داخل مؤسساته ومجتمعه. كان الخيار أن يكون لبنان مجتمعاً مضيفاً لهم، إلى أن بلغ العدد ما لا يستطيع تحمّله، وأي قرار في شأن الوافدين تتّخذه الحكومة بكل جدّية يجب أن يأخذ بالاعتبار عدم الانزلاق إلى مواجهة مع المجتمع الدولي، لا بل ضرورة حشد تأييده في السياسة المتّبعة لاستقطاب المساعدات وتأمين عودتهم إلى ديارهم.