التحدّي الكبير الذي واجهه الجيش اللبناني في عرسال أظهرَ أنّ مقولة «الخطوط الحمر» التي تضعها الدوَل الكبرى حول بلد معيّن من أجل تظليله وحمايته ومنعِ تمدّد النيران إليه هي فعلية، لا وهمية، والدليل المواقف الدولية-الإقليمية المحذّرة من سورَنة لبنان الذي نجحَ في تجاوز قطوعات عدّة منذ اندلاع الثورة السورية، وآخرُها الاختراق الإرهابي الذي دفع المجتمعَين الدولي والإقليمي إلى مَدّ لبنان بمساعدات ماليّة وعسكرية سريعة، من أجل إحباط أيّ محاولة لزعزعة استقراره. وفي هذا السياق بالذات تأتي الهبة السعودية التي سلكت خطاً عسكرياً منذ لحظة الإعلان عنها وصولاً إلى الموافقة عليها أمس في مجلس الوزراء، والتي تزامنَت مع كشفِ السفير الأميركي ديفيد هيل أنّ «الولايات المتحدة الأميركية ستقدّم قريباً ذخيرةً إضافية وعتاداً إلى الجيش، ما يُعزّز قدرتَه على تأمين حدود لبنان وحمايته من العنف الممتد من الحرب في سوريا، ومحاربة الجماعات المتطرّفة العنيفة». وإنْ دلَّ كلُّ ما تقدّم وغيرُه على شيء، فعلى أنّ لبنان «خط أحمر»، وأنّ عنوان المرحلة سيكون مزيداً من تعزيز قدرات المؤسّسات العسكرية والأمنية لمواجهة الإرهاب وحماية الاستقرار. وأمّا على المستوى السياسي، فتصدّر عنوان التمديد كلّ العناوين الأخرى، حيث ركّزت المواقف على تأييد التمديد أو رفضه، وفي هذا السياق أعلن نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر بعد استقباله وفداً من حزب «الطاشناق» أمس أنّه يريد الانتخابات النيابية اليوم قبل الغد، «وإذا كان صوتي مرجّحاً في مجلس النواب لجهة التمديد للمجلس فسأصوّت ضدّه، لأنه لا بأس هنا من أن نُعيد تمرين عضلاتنا في إجراء الانتخابات، بدلاً من التمديد، والرئيس سعد الحريري من هذا الرأي». (صفحة 6-7) وعلى خط آخر، وفي تطوّر إقليمي يأتي استكمالاً لخطوة تكليف حيدر العبادي تأليفَ حكومة عراقية جديدة حظيَت بترحيب إقليمي ودولي، جاءت خطوة تنَحّي نوري المالكي لتؤكّد مجدّداً أنّه عندما ينطلق مسار التسوية لا يمكن لأيّ شخص أو جهة أو فريق مهما علا شأنه أن يقف في وجهه.
أعادت أحداث عرسال لبنان إلى صلب الاهتمامات الدولية، فيما الاهتمام المحَلي يتركّز على إقفال هذا الملف من خلال تحرير الرهائن في ظلّ إجماعٍ لبنانيّ على رفضِ أيّ مقايضة أو مساومة أو تفاوضٍ في هذا الملف الوطني، كما شكّلت مواجهة الإرهاب نقطة تقاطع بين 8 و14 آذار تحت سقف التوافق الحكومي والسياسي الرامي إلى تظليل المؤسسات العسكرية والأمنية بغية تمكينها من القيام بمهامّها على أفضل ما يرام.
مجلس الوزراء
وفي هذا السياق قرّر مجلس الوزراء في اجتماعه أمس الموافقة على الهبة السعودية بقيمة مليار دولار لتسليح وتجهيز الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة.
وقد أكّد رئيس الحكومة تمّام سلام «أنّ موقف الحكومة الصارم قد أدّى إلى السيطرة على الوضع الميداني، بالرغم من أنّ استمرار خطف العسكريين أمرٌ مقلِق، ونأمل التمكّن من تحريرهم»، وأشارَ إلى «الدعم الدولي والعربي الذي لاقته سياسة الحكومة وموقفها في عرسال وفي مكافحة الإرهاب». ويُذكَر أنّ وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش قال قبلَ دخوله الجلسة: «نرحّب بأيّ هبة تأتي لتسليح الجيش وتطويره».
برّي
وقال رئيس مجلس النواب نبيه برّي لزوّاره أمس إنّه اطّلعَ من قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي زاره أمس، على أوضاع المؤسسة العسكرية وعلى الإجراءات التي يتّخذها الجيش في عرسال، وتبلّغَ منه أنّ قرار الجيش هو عدم التفاوض في شأن العسكريين الذين تحتجزهم المجموعات الإرهابية. كذلك اطّلعَ برّي من قهوجي على موضوع هبة الثلاث مليارات من الدولارات التي قدّمتها السعودية لدعم الجيش اللبناني، وتبيّنَ أنّ العقدة التي تحول دون تسييل هذه المليارات الثلاث أسلحةً وعتاداً للجيش هي عقدة فرنسية.
قهوجي
وكان قهوجي قد أكّد خلال استقباله أفرادَ عائلة العقيد الشهيد داني حرب، أن «لا مساومة على كرامة الجيش وعسكريّيه كافّة، وأنّ قضايا الشهداء والجرحى والمفقودين العسكريين ستبقى في طليعة اهتمامات المؤسسة العسكرية».
عسيري
وكشفَ السفير السعودي علي عواض عسيري أنّ «دور المملكة العربية السعودية محصور بدفع قيمة الهبة، وليس لها دور آخر»، واعتبرَ أنّ «الطلبات يُحدّدها الجيش اللبناني، والفرنسيون يؤمّنونها والمملكة تدفع للفرنسيين، وهذا الأمر بالنسبة إلى الهبة الأولى». وشدّد عسيري على أنّ «الملك حرصَ على إبعاد الهبة الثانية عن البيروقراطية وتأمين ما يطلبه الجيش اللبناني لمكافحة الإرهاب من خلال أسلحة محدّدة له».
وعمّا إذا كانت هذه الهبة ضدّ «حزب الله»، أكّد أنّ «المملكة وقيادتها أكبر وأسمى من أن تفكّر بهذا التفكير. وعندما تقول شيئاً فهي تعلنُه. ولنا تجربة في الماضي، وما قُدِّم هو لخدمة لبنان والدفاع عنه وسيُسلَّم إلى الجيش اللبناني الذي هو من كلّ الطوائف، وجزء كبير منه هو من الطائفة الشيعية الكريمة، فأرجو ألّا نفكّر بطريقة سلبية».
ويبدو أنّ موضوع الهبة، كما معرفةُ عسيري بتفاصيل الملف اللبناني، فضلاً عن التحدّي الإرهابي الذي واجهه لبنان، أمورٌ دفعَت بالمملكة إلى إبقائه في لبنان حتى إشعار آخر.
الجرّاح
وعلى خط العسكريّين الذين تحتجزهم المجموعات الإرهابية، أكّد النائب جمال الجرّاح لـ«الجمهورية» أنّه «منذ البداية كانت المفاوضات تحصل بطريقة غير مباشرة مع المسلحين عبر هيئة العلماء المسلمين، لكن بعد خروجهم من عرسال انقطع الاتّصال بهم»، لافتاً إلى أنّه «يتابع هذا الموضوع مع الهيئة، لكنّ المفاوضات متعثّرة، ولا اتّصالات جدّية حالياً، فهمُّنا الأساسي هو إعادة العسكريين».
وأكّد أنّ «الأوضاع في البقاع عادت الى طبيعتها بعد انتهاء المعارك، والشارع السنّي البقاعي يشعر بالارتياح بعد عودة الحريري، ونعمل الآن على لملمة آثار المعركة ومساعدة عرسال من النواحي الإنسانية والاجتماعية والمادية، مُتّكلين على الهبة التي قدّمها الحريري للبلدة»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ «الخطّة الأمنية في البقاع تعرّضت لنكسة قوية بعد أحداث عرسال، لكنّنا سنطالب بتطبيقها لحفظ الأمن في المنطقة».
شعبة المعلومات
وفي السياق الأمني أيضاً، وفي خطوة تؤشّر إلى مدى الاستنفار العسكري والأمني، تمكّنت شعبة المعلومات من توقيف مُشَغّل موقع «أحرار السُنّة-بعلبك» في منطقة بعلبك، ويدعى حسين ح. من مواليد 1995، وقد اعترفَ بتشغيله الموقع. ويُذكر أنّ هذا الموقع كان عمَد إلى بثّ أخبار الهدفُ منها ترهيب المسيحيين وترويعهم، كما تخويفُهم من شركائهم في الوطن، والدفع إلى الفرز في لبنان استكمالاً للمشهد في المنطقة.
التمديد
وعلى المستوى السياسي، ظلَّ موضوع التمديد لمجلس النواب متقدّماً على ما عداه من ملفات سياسية مع اقتراب دعوة الهيئات الناخبة في 20 الجاري وفي ظلّ المواقف المتناقضة بين مؤيّد للتمديد بسبب الفراغ الرئاسي والإشكاليات الدستورية التي يمكن أن تنجمَ عن هذا الواقع وتحديداً لناحية تكليف رئيس الحكومة، فضلاً عن إبقاء التركيز على أولوية انتخاب رئيس الجمهورية، وبين مؤيّد لإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري. واللافت أنّ هذا العنوان أدّى إلى كسر الاصطفاف التقليدي بين قوى 8 و14 آذار، إلّا أنّ تقاطع مكوّنات الفريقين على إجراء الانتخابات أو التمديد لا ينسحب على الملفات الساخنة التي ما زال الخلاف حولها كبيراً.
«أنا ضدّ التمديد كما صرّحت»
وفي هذا الإطار، سُئل برّي عن التمديد للمجلس، فقال: «لا أزال على موقفي الرافض هذا التمديد لمجلس لا يجتمع ولا يشرّع، ولا جديد عندي في هذا الأمر». وقيل لبرّي إنّ الرئيس سعد الحريري أعلنَ تأييدَه التمديد للمجلس، فقال: «الحريري مع التمديد كما صرّح، وأنا ضدّ التمديد كما صرّحت».
موسى
وأكّد عضو مكتب مجلس النواب النائب ميشال موسى لـ«الجمهورية» أنّه «بات واضحاً أنّ معظم الكتل ترفض التمديد»، معتبراً أنّه «من الآن حتى موعد إجراء الانتخابات النيابية ربّما يُصار إلى انتخاب رئيس، ويكون هذا الأمر سبباً للتعجيل في حلّ أزمة الرئاسة».
وأكّد موسى أنّ «برّي والكتل الرافضة لن تقبل بالتمديد في آخر لحظة، لأنّ الموقف الآن مختلف عن التمديد الأوّل»، لافتاً إلى أنّ «وزارة الداخلية تقوم بتحضيراتها لتنظيم الانتخابات»، مُشدّداً على أنّ «مسار الانتخابات الرئاسية لا يعطّل النيابية، فالموضوعان منفصلان على رغم أنّهما مترابطان في السياسة».
الإفادات للطلّاب
وعلى خط إنقاذ العام الدراسي واستطراداً مستقبل الطلّاب، أكّد مجلس الوزراء على قراره السابق بتفويض وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب إصدارَ الإفادات من أجل إنقاذ مستقبل الطلاب، وكان بو صعب عرَض في مجلس الوزراء لآخر التطوّرات في هذا الملف، وأنّه أخذ الوقت الكافي في محاولة لإقناع هيئة التنسيق، وأكّد أنّه سيضع حدّاً لهذا الملف وحدّاً لمعاناة الطلّاب وأهلهم غداً السبت 16 الجاري، خصوصاً بعد أن تأكّد من جميع الفرقاء السياسيين أن لا أحدَ يضمن تاريخ انعقاد الجلسة التشريعية في المجلس النيابي لإقرار سلسلة الرتب والرواتب.
السلسلة
وعلى مستوى السلسلة، كلّ المؤشرات تدل إلى أنّ هناك تسوية جدّية بدأ العمل عليها ويمكن أن تبصر النور قريباً، وذلك في سياق حلحلة الملفات الخلافية وتنفيس مناخات الاحتقان، خصوصاً أنّ القوى النقابية، كما السياسية، أدركت مدى مسؤوليتها في التنازل من أجل الوصول إلى مساحة مشتركة في ظلّ التحدّيات الإرهابية التي تواجه لبنان واللبنانيين.
وفي هذا السياق سُئل الرئيس برّي: يبدو أنّ هناك اتفاقاً بين رئيسة لجنة التربية النيابية النائب بهية الحريري ووزير المال علي حسن خليل حول سلسلة الرتب والرواتب سيكرَّس في اجتماع ستعقده الحريري معك، فقال: لقد طلبَت السيّدة بهية موعداً وحدّدته. وحتى الآن لا إشارات جدّية إلى انعقاد المجلس النيابي كما يقولون. لا حلّ لموضوع السلسلة سوى بأحد خيارين: إمّا زيادة واحد في المئة على ضريبة الـ TVA، أو تخفيض 10 في المئة من كلفة السلسلة والتقسيط، وليس هناك حلّ آخر».
مسيحيّو العراق
وفي وقتٍ تعلو الأصوات في الداخل اللبناني وعلى لسان المسؤولين الروحيّين لإنقاذ مسيحيّي العراق، حيث باتت هذه القضية محوريّة بالنسبة للدولة اللبنانية وليس فقط المسيحيّين، بعدما أكّد مجلس الوزراء في جلسته أمس أنّ الحكومة «يؤلمها المشهد اللاإنساني الحاصل في الموصل والمناقض للنموذج اللبناني القائم على التعايش والتسامح، وتطالب المجتمع الدولي بالتحرّك السريع لوقف مسلسل القتل والتهجير في الموصل لحماية جميع مكوّنات المجتمع العراقي، وتناشد كلّ الدول المعنية لاتّخاذ الإجراءات القانونية لدى المحكمة الجنائية الدولية،
وتؤكّد أنّ لبنان الرسمي والشعبي سيتابع عبر وزارة الخارجية كلّ الاتصالات اللازمة تحفيزاً لتحرّك مساعد واستشعاراً بفظاعة الجريمة ضدّ شعب مقهور، في هذا الوقت، علمَت الجمهورية أنّ خمسة بطاركة سيزورون كردستان العراق للاطّلاع على أوضاع المسيحيين هناك.
وقد أكّد النائب البطريركي العام المطران بولس صيّاح لـ«الجمهورية» أنّ بطاركة الكنائس الشرقية، وفي طليعتهم البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي سيزورون كردستان العراق للاطّلاع عن كثب على أوضاع المسيحيين، ومَدّهم بجرعة دعم عملية ومعنوية من أجل استمرارهم في أرضهم.