في مطلع هذا المقال لا بد من تحية اكبار واجلال الى الجيش اللبناني الذي يدافع عن لبنان ويخوض حرباً ضروساً فرضها الوضع الاقليمي علينا. وتشير المعارك في بلدة عرسال الى الأخطار الكثيرة المحدقة بالوطن والتي تهدد الأمن والاستقرار والسلم الأهلي والتي يتصدّى لها جيشنا الباسل بالعزم الذي عهدناه به. ولكن تتطلب هذه الأخطار الكثيرة أيضا ً أن يبادر أصحاب القرار السياسي الى التحرّك الموازي لتحصين البلد، وانقاذ الاقتصاد الوطني.
تفاقمت الأزمة السياسية الحالية الى درجة أصبحت تهدد الصيغة اللبنانية والاقتصاد الوطني. واذا ما زادت استشراءً، ستكلّف الجميع بمن فيهم الطبقة السياسية التي تساهم في تعقيد الأزمة تداعيات تفوق التوقعات وطاقات التحمّل.
وانطلاقاً من هذه الأزمة المستجدة، تزداد أهمية الوصول الى تسوية ديموقراطية ايجابية وانتخاب رئيس توافقي يحمي سيادة لبنان وحريته واستقلاله ويعيد النمو الاقتصادي من خلال برنامج فعّال على الصعيد السياسي والاقتصادي والاداري.
يعتبر الكثير من الخبراء أن المنطقة تمرّ في مرحلة تضاهي في دقتها وخطورتها فترة الحرب العالمية الأولى وما تبعها من تغيرات. مع ذلك، فان أهم الأخطار التي تواجهها الشعوب في المشرق العربي وخاصةً الأقليات هي نتيجة أخطاء استراتيجية يرتكبها قادة أو ممثلو هذه الشعوب ( أو الأقليات) أو نتيجة قرارات أو طروحات معينة يقومون بها دون فهم شامل للمتغيرات الاستراتيجية.
ويعتبر عدم أخذ المبادرة قراراً بحدّ ذاته، وفيما لو نفذت الفترة الزمنيّة المتاحة للتجاوب مع تطورات وأخطار معيّنة ولم يأخذ القادة المبادرة الفعّالة في الوقت المناسب، يكونون قد ساهموا في زيادة الأخطار التي تواجه شعبهم ووطنهم وفي بعض الأحيان استمرارية كيان دولتهم.
ما زال أمام أصحاب القرار في لبنان فرصة متاحة لتسهيل عملية انتخاب رئيس للجمهورية ولتحصين الدولة ضدّ معظم التغيرات الاقليمية. ولكن هذه الفرصة المتاحة تضيق مع الوقت لأسباب تتعلّق باستحقاقات محلية وتطورات اقليمية متسارعة. وعلى من يراهن على حل ّ من الخارج أو على تطوّر خارجي يعطي الضوء الأخضر في لبنان، أن يعي أن عوامل عدّة قد تؤخر هكذا حلّ لمدة لا يستطيع الكيان اللبناني تحملها.
1. القوى العالمية والاقليمية تركز على ملفات شائكة تفوق في تعقيداتها وتشعباتها وأهميتها الملف اللبناني.
2. لدى بعض القوى الاقليمية التي قامت حديثًا امتدادها الواسع في مواقع تؤمن لها الارضية والامدادات البشرية والمادية التي تمكنها من اطالة الأزمة والحرب مع قوى مواجهة لها.
3. ان القوى الدولية أكثر استعدادا حالياً لامتصاص ازدياد عدد الدول التي تعمها الفوضى من قدرة أي شعب من شعوب هذه الدول لتحمل هكذا تداعيات. فقد انضمت مؤخراً لبيا الى لائحة الدول التي تواجه أزمة الفوضى بالإضافة الى العراق، سوريا، اليمن، السودان والصومال …
تتطلب المرحلة الحالية رئيساً للجمهورية وفريق عمل تنفيذيا يعي أهمية تحصين لبنان لمواجهة الأخطار من جهة وأهمية تفعيل الحركة الاقتصادية واعادة عجلة النمو من جهة أخرى. وقد أمعن البعض بانتقاد فكرة الرئيس التوافقي بوصف الرئيس التوافقي بانه من دون لون، وغير قوي ويفتقد للدعم الشعبي.
نرى كما ترى شريحة كبرى من المواطنين في هذا الجدل أعذاراً لتأجيل الحلّ ولزيادة حدّة الأزمة وتفاقمها. وعليه، نقترح آلية تؤمن الوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية برعاية المرجعية الوطنية والروحية ألا وهي البطريركية المارونية بقيادة غبطة البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي وبالتنسيق مع رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري.
اساس الآلية المقترحة هو العمل على تأمين مجموعة من المرشحين يكون قد حظي معظمهم أو جميعهم بالصفة التوافقية من كلا الفريقين السياسيين الأساسيين في البلد عبر خطوات متتالية تمثل تنازلات ايجابية من كل فريق الى الآخر.
وبعد تأمين هذه المجموعة من المرشحين يصار العمل بالتنسيق بين البطريركية المارونية ورئاسة مجلس النواب للحصول على التزامات من عدد من النواب لتأمين النصاب القانوني للجلسة المرتقبة وتعيين موعد الجلسة.
بعد أن يتم اعلان المبادئ والأولويات للبرنامج الرّئاسي المرتقب من قبل كل من الفريقين السياسيين الأساسيين وتستوضح نقاط الاتفاق والاختلاف بين الأطراف، يقوم كل فريق بترشيح عدد من المرشحين فلنقل خمسة مرشحين لكلّ فريق.
ويقوم كل فريق بانتقاء مرشّحيه بطريقة تزيد من احتمالات أن يحظى على الأقل مرشح أو مرشحين من بين تشكيلته بدعم أو على الأقل موافقة أو عدم تصدّي الفريق الآخر. وهذا لا يمنع أن يقوم مرشّحون مستقلّون بترشيح أنفسهم شرط أن يكونوا حقًّا مستقلّين وليس محسوبين على أي من الفريقين السياسيين الأساسيين.
من بعدها، يفتح المجال لكلّ من الفريقين السياسيين الأساسيين لإبداء تحفّظهم من عدد من مرشّحي الفريق الآخر شرط ألا يتخطّى هذا العدد نصف عدد المرشحين الاجمالي لفريق ما. فهنا إذا قلنا أن عدد المرشحين لكل فريق هو خمسة مرشّحين، يفتح المجال لكلّ فريق لإبداء تحفّظهم على اثنين من خمسة مرشّحين. وهذا التحفظ يمكن الاعلان عنه علنًا أو سرًّا من خلال جهة حيادية ترعى العمليّة التوافقية وفي هذا المجال تكون بكركي المرجعية.
بعد اعلام كل فريق بتحفظات الفريق الآخر، يبادر الفريق الأول بسحب مرشح من المرشحين الذين أبدى الفريق الثاني تحفظه منهم. من بعدها، يبادلهم الفريق الثاني بسحب مرشح من الذين أبدى الفريق الاول تحفظه عليهم.
وهنا نجير على كل من الفريقين لأخذ المبادرة بسحب أول مرشح تدعيمًا للثقة بين الفرقاء، وتأكيدًا لأهمية التنازلات الايجابية من كلا الفريقين من أجل الوصول إلى لائحة من المرشحين من كلا الطرفين تضمّ أعلى نسبة من المرشحين التوافقيين. وتستكمل عملية انسحاب المرشحين المتحفظ عليهم بطريقة متتالية شرط ان يكون الانسحاب رسمياً لا رجوع عنه.
ويولّى للمرجعية الحيادية، أي البطريركية المارونية، أن تقوم بما تراه مناسبًا، إما بإضافة عدد متوازٍ من المرشحين الى اللائحة المتبقية من كل من الفريقين، أو أن تعلن عن تحفظها على عدد متوازٍ من المرشحين على اللائحة المتبقية من كل فريق.
ويولى لرئيس مجلس النواب التنسيق مع المرجعية الحيادية، أي البطريركية المارونية، للحكم على جهوزية العملية للدعوى إلى جلسة لمجلس النواب وفقًا للمعايير الدستورية والصلاحيات المناطة لرئيس مجلس النواب.
ما عرض أعلاه آلية يمكن اتباعها لإعادة الثقة بين الفرقاء، وتأمين الوصول إلى انتخاب رئيس توافقي ضمن الفرصة المتاحة في ضوء الوضع الحالي حيث يستحيل على أي فريق تأمين النصاب منفردًا.
في النتيجة، هذه الآلية المقترحة تهدف الى الخروج من الدوامة التي أُدخل البلد فيها. وقد صارت المؤشرات الاقتصادية دقيقة، والوضع يحتاج الى انقاذ. ولا يمكن تسجيل خروقات اقتصادية مهمة من دون تجاوز أزمة الرئاسة. ومن هنا، لا خلاص من دون ابتكار الحلول السياسية للولوج الى المعالجات الاقتصادية.