بعدما حذَّر الرئيس نبيه بري ومسؤولون دوليون من عواقب عدم انتخاب رئيس للجمهورية، فإن السؤال الذي بات يحتاج الى جواب هو: مَن المسؤول عن ذلك؟ هل الداخل اللبناني المنقسم على نفسه عمودياً وأفقياً، أم الخارج المنشغل عن لبنان بالحرائق المندلعة في غير دولة في المنطقة؟
يقول مسؤول متابع ان مسؤولية إحداث شغور رئاسي بدأت مع بداية حوار عون – الحريري، وهو حوار جعل عون يصدق انه سيكون مرشح وفاق… وعندما اكتمل النصاب في أول جلسة عقدت لانتخاب الرئيس صوّت نواب 14 آذار للمرشح الدكتور سمير جعجع وصوّت نواب 8 آذار لورقة بيضاء، لأن عون رفض أن يكون مرشح تصادم مع جعجع بل مرشح وفاق لم يكن قد تم التوصل بعد من خلال هذا الحوار الى اعتباره كذلك. فكان لا بد من أخذ مزيد من الوقت ليستطيع الحريري اقناع من هم غير مقتنعين من نواب “تيار المستقبل” بعون مرشح وفاق ولاسيما الدكتور جعجع. وقبل أن تنتهي المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس طرحت فكرة التمديد سنة للرئيس ميشال سليمان، ولجعل العماد عون يوافق عليها مع حلفائه، قطع له اصحاب هذه الفكرة وعداً بأن يخلف سليمان في الرئاسة بعد مرور هذه السنة واعطائه الضمانات الكافية للوفاء بذلك. لكن فكرة التمديد سقطت من دون أن تسقط من ذهن عون فكرة انه لا يزال مرشح وفاق… خصوصاً ان لا الحريري أبلغه صراحة انه لم يعد يؤيد ترشيحه ولا طلب منه الانسحاب لمرشح آخر يصير الاتفاق عليه، ولا “حزب الله” المؤيد لعون دعاه للانسحاب للبحث في مرشح توافقي، ولا حتى المملكة العربية السعودية التي أبدت معارضتها لعون بـ”الوشوشة” أعلنت ذلك ولم تتدخل حتى لدى الحريري ليطلب من عون سحب ترشيحه، ولا ايران كان لها كلمة في الموضوع ربما لأن وقتها لم يحن بعد. وهكذا ظل عون يعتبر نفسه مرشحاً وفاقياً ويرفض البحث معه في أي مرشح آخر ما جعله يستمر في الترشح، فلا “حزب الله” يرى مصلحة له وكحليف لعون أن يطلب منه ما لم يطلبه سواه، أي الانسحاب. وقد عاد “تكتل التغيير والاصلاح” في اجتماعه الاخير ليؤكد في بيان له رفضه الدعوات لسحب ترشيح عون بعدما لم يلق اقتراح انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب قبولاً لا من 14 آذار ولا حتى من بعض نواب 8 آذار.
وهكذا يستمر الشغور الرئاسي الى أجل غير معروف، لأن العماد عون يرفض سحب ترشيحه ولا أحد ممن أوهمه بتأييد ترشيحه طلب منه ذلك… وإذا كان هذا هو الوضع المأسوي في الداخل، فإن الوضع في الخارج أسوأ، إذ ان الأمل بالتقارب قريباً بين ايران والسعودية بعد هجمة “داعش” واخواتها وان ما يشغل الدول الصديقة والشقيقة عن لبنان هو الحريق المشتعل في المنطقة. فهل من منقذ للبنان من لبنان للتأكيد ان فيه من بلغوا سن الرشد وباتوا قادرين على أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم؟!
يقول مسؤول كنسي: إذا كان “حزب الله” مهتما بأحداث المنطقة وغير مهتم بانتخابات رئاسية في لبنان، خصوصاً إذا كان الزعماء الموارنة أنفسهم غير متفقين على انتخاب رئيس والنائب سليمان فرنجيه يقول بالفم الملآن ان الفراغ الرئاسي لا يخيفه… فهل ينبغي أن يخيف “حزب الله”، وتساءل المسؤول الكنسي أفلا يستحق “شعب لبنان العظيم” كما كان يصفه عون وهو في قصر بعبدا وقد سماه “قصر الشعب”، التضحية بالمصالح الشخصية من أجل مصلحة هذا الشعب، فيعلن سحب ترشيحه لمرشح يختاره وأسوة بما فعله الدكتور جعجع عندما شعر بأن حظوظه ضئيلة بالفوز… هل يقوم العماد عون بدور المنقذ ويكون بطلاً وطنياً كرمى لـ”شعب لبنان العظيم”، ويسجل له التاريخ ذلك، ويقرر بصحوة ضمير تأمين النصاب لجلسة انتخاب رئيس معقول ومقبول حتى وان لم يكن كذلك في نظره، لأن الفراغ الشامل سيكون أسوأ؟ هل يتصرف العماد عون كما تصرف الشيخ بشارة الخوري عندما طلب من نواب حزبه وكانوا أكثرية حضور الجلسة وانتخاب خصمه السياسي كميل شمعون رئيساً للجمهورية كي لا يبقى أعلى منصب ماروني في الدولة شاغراً، أو يتصرف كالرئيس شمعون عندما دعا نواب حزبه للنزول الى مجلس النواب وانتخاب خصمه السياسي اللواء فؤاد شهاب، وكما تصرف أركان “الحلف الثلاثي” الذين كانوا يمثلون مسيحياً أكثر مما هو يمثل، عندما سحبوا ترشحهم بعدما تأكدوا ان لا حظوظ لأي منهم بالفوز بالرئاسة، لأن غالبية النواب المسلمين لم تكن مع أي منهم، ووافقوا على تأييد مرشح “تكتل الوسط” النائب سليمان فرنجيه؟ وهل يمكن القول ان الضغوط الديبلوماسية الدولية التي مورست من أجل انتخاب رئيس للجمهورية سقطت أمام مناكفات الزعماء اللبنانيين ومشاحناتهم ونكاياتهم المتبادلة، فيضعون لبنان بدون حياء على كف أي عفريت خارجي؟!