Site icon IMLebanon

من تلال عدلون إلى جبال صنين

من تلال عدلون إلى جبال صنين

إستنزاف حزب الله في الجبهة الشرقية ضمن خطة شاملة؟!

لندع جانباً، مسألة الأسرى العسكريين (جنود وشرطة) الذين تحتجزهم أو تخطفهم، أو أسرتهم الجماعات المسلحة، المرتبطة بالمعارضة السورية، وهي «جبهة النصرة» وداعش (الدولة الإسلامية التي لم تعد تقتصر على العراق وسوريا)، فإن الحدث عبَّر عن نفسه في الساعات الماضية، بالإشتباكات المسلّحة، العنيفة، وبمختلف أنواع الأسلحة، بين عناصر حزب الله وعناصر النصرة وداعش، وربما الجيش السوري الحرّ، (هذا إذا كان ثمّة جيش حرّ بعد)، هذه الاشتباكات التي وضعت على النار، المسألة الحقيقية لِما يجري في المنطقة، عشية تحضير الولايات المتحدة الأميركية ساعة الصفر، لانطلاق طائرات الائتلاف الدولي – العربي – الإقليمي لضرب «داعش» باعتبارها منظمة إرهابية، يتعدّى خطرها العراق أو سوريا أو الأردن أو بلاد العرب والمسلمين إلى أوروبا، والولايات المتحدة، وربما أوستراليا، التي تأبى إلّا أن تشارك في أي ائتلاف دولي ضد الإرهاب العالمي، من القاعدة إلى غزو العراق، والآن، ضد داعش..

ما هي المسألة الحقيقية؟ وهل أن الائتلاف الذي تحشد له الولايات المتحدة أو إدارة باراك أوباما، الرئيس الأميركي الديمقراطي، الذي يرغب بإبعاد وصمة العجز عنه، بخوض ولو حرب واحدة، خارج بلاده، ليدخل التاريخ بوصفه صانع «مجد الأمة الأميركية» بعد مقتل أكثر من صحافي أميركي على يد رجال داعش، الذين يحكمون وينفّذون الأحكام وفقاً لتقاليد غابر الأزمان، وإن تذرّعوا مرة تلو المرة بالإسلام (الذي هو منهم براء)، هل أن الائتلاف يهدف فقط إلى دحر داعش، أو على الأقل إخراجها من العراق أو من حدود «الدولة الكردية» (إقليم كردستان) إلى سوريا؟ أم أن وراء القرار الدولي أجندة أخرى؟

 ثم ما هي الصلة بين تفجير جهاز التجسّس الاسرائيلي على تلال عدلون، واستشهاد مقاوم من حزب الله في عملية التفكيك، وإعلان خبراء الحرب ووسائل الإعلام الإسرائيلية أن اسرائيل تُجري تدريبات على كيفية احتلال مدينة جنوب لبنان، لأن الحرب المقبلة، ستكون مع حزب الله، وأن حرب غزة الأخيرة أخّرت هذه الحرب، لأن حزب الله، يمتلك أكثر من 100 ألف صاروخ، أكثر فتكاً وتطوّراً وفعالية من صواريخ غزة؟..

لا حاجة، لإمعان، يتعدّى المعقول، لإدراك أن هدف أيّ تدخّل أطلسي في العراق ضد داعش، لا يهدف إلى القضاء على الدولة، التي تسيطر على منابع استراتيجية لاحتياط النفط العراقي، وعبر سيطرتها على مساحة كبيرة من العراق، وعلى ثلث سوريا تقريباً، وارتفاع عدد مقاتليها من بضع آلاف إلى عشرات الآلاف، بل أكثر من 80 ألف مقاتل (وفقاً للتقديرات الغربية)، بل يريد تشكيل ظروف جديدة لحروب أهلية بين المسلمين (وهي متشكلة فعلاً بين جماعات مسلحة سنّية وجماعات مسلّحة شيعية)، تأخذ عشرات السنين، قبل أن تستقر الأوضاع، على جغرافيا سياسية، واقتصادية وبشرية، مغايرة لترتيبات ودول ما عُرف، في وقت من الأوقات بكيانات سايكس بيكو.

من المؤكّد أن اسرائيل، تعتبر نفسها معنيّة، بتشكيل الائتلاف الدولي، ليس لمحاربة داعش، بل لمحاربة حركات المقاومة، من حماس والجهاد، وسائر فصائل حرب غزة، إلى حزب الله في لبنان..

وليس من قبيل الصدفة، أن تنشر الخارجية الاسرائيلية، في مرحلة احتدام الحروب في العراق وسوريا وصولاً إلى جرود عرسال، وما يُحكى عن استعدادات تجري لحدوث انقلاب على الأرض في جرود الضنية، وصولاً إلى تخوم طرابلس؟! أن تنشر تقريراً أهمّ ما جاء فيه، (وهو في معرض الردّ على كلام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء لقاء النائب وليد جنبلاط) أن اسرائيل ليست أصل المشكلة في الشرق الأوسط: قالت اسرائيل في تقريرها أنه منذ 66 عاماً قُتل من المسلمين بسبب الصراع بين العرب وإسرائيل لا يساوي 0.3٪، في حين أن 90٪ من مجموع 11 مليون قُتلوا منذ العام 1948، سقطوا جرّاء النزاعات بين المسلمين أنفسهم؟!

الائتلاف الدولي، الذي سيكون البند الأول أثناء جولة جون كيري ناظر الخارجية الأميركية على دول الشرق الأوسط، لا يهدف إلى ضرب داعش، أو تصفيتها، بل إلى تحجيم تأثيرها، وإبعاد خطرها عن منابع النفط، وسلطة الحلفاء الأكراد (لا خطر من داعش على اسرائيل)، وطرد مقاتليها إلى سوريا، حيث سيتولى هؤلاء خوض المعارك الطاحنة مع نظام الرئيس بشار الأسد، تمهيداً لخلخلته، وإسقاطه، في لعبة مقايضات دولية – إقليمية، بالغة الحساسية، مع استعادة «الطاووس» الأميركي بعضاً من عافية اقتصاده، وحاجة العالم الأوروبي والصناعي إلى رعايته حرصاً على مصالح الإستقرار المالي والصناعي في تلك البلدان..

جملة التطورات من ترنّح حرب غزة، وربما ترنّح إعادة إعمارها، إلى ما بعد الحرب الأميركية الثالثة ضد الإرهاب (بعد أفغاسنتان والعراق 1991 و2003) تؤشّر إلى أن حزب الله، بعد ضرب نظام الأسد أو بالتزامن سيكون على طاولة الاستهداف.

وليس من قبيل المصادفة، مطلقاً، أن تتركز الأنظار، في الوقت الذي كانت تجري فيه المفاوضات، وما زالت، لإطلاق الأسرى العسكريين، على أن تدخّل حزب الله في سوريا، هو السبب، وراء ذبح الجنود، الواحد تلو الآخر، وأن التركيز على تدخّل الحزب، ودوره في أحداث عرسال الأخيرة، هو السبب وراء تهديد حياة الجنود والشرطيين..

والأغرب، أن فريق «خلية الأزمة» الحكومية سمع كلاماً من أهالي الجنود المخطوفين، من منطقة عكار، لم يركّز سوى على حزب الله، ودوره في التسبّب في مشكلة الاختطاف، لدرجة أن أحد الوزراء سأل الأهالي: من يخطف أولادكم، داعش أم حزب الله؟

 من وجهة نظر واضعي «الاستراتيجيات المعادية» أن الفرصة سانحة، لإعادة وضع القوة العسكرية لحزب الله على طاولة التفاوض: هذا ما يفسّر فتح جبهة جرود عرسال، كجبهة استنزاف، في وقت كثر فيه الحديث عن خطة لداعش بالتمدّد إلى جبال القلمون، إذا ما نفّذت التهديدات الغربية بطردها من الموصل، وذلك كإجراء يُسابق خطة كانت وضعتها لتوجيه ضربة قوية للأردن، شبيهة باحتلال الموصل العراقية ومحافظة الرقة السورية..

خطة البنتاغون تقضي بإرسال أسلحة جدّ متطوّرة إلى 4500 مقاتل من الجيش السوري الحرّ لاحتلال مواقع لداعش في حلب، وتدريب 12000 آخرين من العشائر، التي يمون عليها رئيس الائتلاف السابق أحمد الجربا..

هل الخطة تقضي بفتح جبهة الحدود الشرقية والشمالية، بدفع داعش إليها؟ في الوقت الذي تكون اسرائيل قد استعدّت لتوجيه ما يلزم من ضربات لحزب الله في اللحظة الإقليمية الحرجة؟

 جبهة لبنان مفتوحة من عرسال إلى جبال صنين (تمركز لمسلحين مسيحيين عونيين وغيرهم)، فضلاً عن جبهة الجنوب التي لم تُغلق، وفي كلا الجبهتين، يُقاتل حزب الله، وعلى نتائج هذا القتال يتقرّر مستقبل لبنان والمنطقة؟!