من حق الشعب اللبناني أن يعرف الحقيقية حول من يعطل انتخاب رئيس للجمهورية، هل هي 14 آذار التي يحضر كل نوابها جلسة الانتخاب أم نواب 8 آذار الذين يغيبون عن كل جلسة باستثناء نواب كتلة الرئيس نبيه بري؟ هل 14 آذار التي رشحت الدكتور سمير جعجع للرئاسة في حين أن قوى 8 آذار لم ترشح أحداً ووصفت ما يجري بالمسرحية لتبرير التعطيل؟ هل المرشح جعجع الذي أعلن استعداده مع حلفائه في 14 آذار للبحث عن مرشح توافقي إذا ظلّت قوى 8 آذار مصرّة على عدم ترشيح العماد ميشال عون إلا إذا أصبح مرشح توافق كما يطلب “حزب الله” أو مرشح وفاق كما يصرّ عون على وصف نفسه، وانه إذا تعذّر حتى التوصل بين 8 و14 آذار إلى اتفاق على مرشح توافقي فليذهب الجميع الى مجلس النواب وتنتخب الأكثرية المرشح الذي تريد من بين المرشحين المعلنين وغير المعلنين، أم 8 آذار التي تصرّ على القول إن لا انتخابات رئاسية ما لم يحصل تفاهم على مرشح توافقي أو وفاقي، علماً أن المرشح الوفاقي يحتاج اختياره إلى وفاق، فإذا لم يحصل ذلك كان الفراغ… هل قوى 14 آذار التي تقول بانتخاب رئيس الجمهورية داخل مجلس النواب وبالاقتراع السريّ كما ينصّ الدستور وكما يقضي به النظام الديموقراطي، أم قوى 8 آذار التي تصرّ على اختيار رئيس الجمهورية خارج المجلس ثم انتخابه شكلاً داخل المجلس خلافاً للدستور وخلافاً للديموقراطية، هل قوى 14 آذار التي تقول بانتخاب رئيس للجمهورية قبل أي أمر آخر، أم قوى 8 آذار التي تقول باجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق على رئيس وفاقي أو توافقي؟ أليس هذا يعني أن في الإمكان الاستغناء إلى أجل غير معروف عن وجود رئيس للجمهورية وانتظار نتائج الانتخابات النيابية ثم انتخاب رئيس لمجلس النواب الجديد، ثم انتخاب رئيس للجمهورية وبعد ذلك تشكيل حكومة جديدة؟ ألم يفكر اصحاب هذا الاقتراح كم من الوقت سيظل لبنان بدون رئيس وربما بدون مجلس نواب إذا ظلّ الخلاف قائماً حول قانون تجرى الانتخابات على أساسه، وربما بدون حكومة إذا تعذّر الاتفاق على تشكيلها بفعل الشروط المتبادلة بين الاحزاب والكتل، وكأن شيئاً لم يتغير… أفلا يعني هذا الذهاب بلبنان إلى الفراغ الشامل الذي لا خروج منه إلا بعقد مؤتمر وطني أو مؤتمر تأسيسي لاعادة النظر في دستور الطائف، وهيهات أن يتم التوصل إلى اتفاق بين القادة في لبنان على صيغة دستور جديد ونظام جديد بالسرعة اللازمة ولا تكون الأيدي الشيطانية الخفية وغير الخفية قد دخلت من باب الفراغ الهائل لتعبث بأمن لبنان واستقراره والذهاب الى المجهول؟ هل من يقول بانتخاب رئيس ينقذ لبنان أم من يقول بانتخابه رئيساً يضمن أمن الحريري وعودته الى لبنان؟
لقد أعلن الرئيس تمام سلام بصراحة ووضوح في حديث له “أن البلد يقوم على سيبة تمثل الطوائف الرئيسية الثلاث: الطائفة المارونية والطائفة الشيعية والطائفية السنية. وهناك رئيس جمهورية ماروني ورئيس مجلس نواب شيعي ورئيس حكومة سني. وهذا أمر متوافق عليه ويعرف بالميثاقية، وبالتالي عندما يشغر أحد هذه المراكز تختل السيبة ويختل هذا المثلث ونقع في المحظور”.
هذه هي الصورة الصحيحة لتركيبة لبنان التي تبدأ برأس الهرم، فلا يمكن إبقاء البلاد بلا رئيس جمهورية، ولا بلا رئيس مجلس ولا برئيس حكومة لأن هذا الثلاثي هو ثلاثي وطني مقدّس.
ومن جهة أخرى، لماذا يصر “حزب الله” ومن معه على أن يكون رئيس الجمهورية توافقياً وإلا فلا رئيس ولا يكون كذلك رئيس المجلس ورئيس الحكومة وعندها لا حاجة لاجراء انتخابات بموجب الدستور ولا تطبيق للنظام الديموقراطي. فهل هذا ما يريده الحزب ومن معه بحيث يجعل بدعة التوافق تسري على رئيس الجمهورية فقط، حتى إذا لم يتمّ هذا التوافق كان الفراغ المفتوح على كل الاحتمالات…
لقد انتظر الناس أن يخرج العماد عون عليهم بمبادرة في حواره التلفزيوني كتلك التي اطلقها الدكتور جعجع للخروج من أزمة انتخاب رئيس، لكنه لم يخرج إلا بألغاز ومبهمات.
إن قوى 8 آذار طالبت في الماضي بارجاء انتخابات نيابية مبكرة علّها تفوز فيها بأكثرية المقاعد النيابية، وعندما جرت في موعدها وفازت 14 آذار بهذه الأكثرية لم تعترف 8 آذار بنتائجها. وعندما رحبت 8 آذار باتفاق الدوحة لأنه جعل قانون الستين معدلاً أساساً لاجراء انتخابات 2009، ظن العماد عون حليف “حزب الله” أن هذا القانون سيؤمن له أكثرية كافية توصله إلى قصر بعبدا، لكنه لم يحصل على هذه الأكثرية. وإذا لم يتمّ التوصل بين الكتلتين الأساسيتين إلى اتفاق على هذا الرئيس، فإن المكان الطبيعي لانتخابه هو مجلس النواب وبالاقتراع السريّ وليس خارج المجلس وباقتراع علني… ولا بدّ عندما تتعدد دورات الاقتراع من أن يتمّ خلالها غربلة المرشحين إلى أن يعلن فوز من نال الأكثرية المطلوبة