Site icon IMLebanon

من ذاكرة … متوجّسة؟

غريب كم يملك الواقع اللبناني القدرة المدهشة على استنساخ، ولو معدل بفعل متغيرات الزمن، لتجارب التمزق الداخلي امام هزات الاستقرار واستهدافاته حتى لتكاد هذه الآفة اللعينة تطبع كل التاريخ القديم والحديث لقصة الاحتلالات والوصايات والاقتتال الداخلي سواء بسواء.

على رغم كل هذا الشر المتطاير من جرود عرسال التي يصدر عبرها الارهابيون الرسائل الاجرامية، ثمة في المكون الداخلي عنصران لا يزالان يشكلان واقعياً الضمان الاساسي للصمود امام الاستهداف الأخطر لوحدته واستقراره منذ فجر الطائف وهما: رفض جميع اللبنانيين بكل طوائفهم وقواهم السياسية والحزبية استعادة اي تجربة فتنوية جديدة، وجيش يشكل العمود الفقري الاول وربما الوحيد لتجسيد هذه الوحدة في الدفاع والمواجهة مهما تناقضت المواقف من مجريات المواجهة الجارية في عرسال منذ ٢ آب الفائت. سواء أقر بذلك البعض ام تنكر له، ليس امام الحكومة القائمة بصلاحيات رئاسة الجمهورية بما يضاعف مسؤولياتها التاريخية، خصوصا انها حكومة ائتلافية جامعة، الا ان تحمي بكل الوسائل المتاحة وبقوة هذين العاملين مهما طال زمن الفراغ الرئاسي لانها لا تملك سواهما في مواجهة الاستهدافات الارهابية. فقصة انتظار الدعم الخارجي للاستقرار الداخلي تغدو أشبه بالهروب الى الأوهام حين تصبح الوحدة الداخلية عرضة للزعزعة، وحين يتعرض الجيش لجلد الانقسامات السياسية بأبشع مما يواجهه في الميدان.

تبعا لذلك لا يود اي لبناني ان يرى استعادة اشد سوءا وخطورة هذه المرة لما لا يزال ماثلا في ذاكرة اجيال من عايشوا بدايات الحرب في عام ١٩٧٥، والتي نخشى ان يكون الوسط السياسي بشقيه الحكومي والحزبي، في الكثير من مواقعه، بدأ ينزلق الى ما يماثلها. ذلك ان طلائع الانقسام حول التفاوض من عدمه لإنقاذ الاسرى العسكريين الذي بدأ يحتل الواجهة السياسية ومعها الاعلامية يهدد بأن يمسي العامل الأخطر في خدمة الارهابيين أنفسهم ونقل تداعيات المواجهة الى قلب الدار. حينذاك، قبل أربعة عقود، غرق أهل بيزنطية اللبنانية في انقسام قاتل على نشر الجيش لوأد طلائع الحرب مع الدويلة الفلسطينية وكان ما لا لزوم لإعادة التذكير به لان الانقسام العمودي أطاح بالجيش وبلبنان وبكل شيء. نسارع الآن الى الاستقواء على هذا الهاجس بالرهان الحقيقي الذي لا يملك اللبنانيون بديلا منه، على تبدل بنيوي حصل مع تعاقب التجارب والاستهدافات وأقام مناعة لبنانية واسعة امام أساليب الفتنة سواء جاءت من أنظمة جائرة او دوائر استخباراتية او من تنظيمات ارهابية اجرامية، اثبتت انها اخطر انواع الاعداء إطلاقاً.

تبعا لذلك ترانا نتساءل هل يكون المستوى السياسي الذي يواكب المواجهة على صورة مناعة اللبنانيين حين تخرج صورة انقسام حول التفاوض وحدوده وسقوفه الى العلن في ما يلبي اكثر مطالب الخاطفين الارهابيين طموحا؟