فيما يعرف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ان رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد المتقاعد ميشال عون لن يسمح باجراء انتخابات رئاسية طبيعية. لذا فان المطلوب منه الابتعاد عن المطالبة باذلال المسيحيين طلبا للنصاب النيابي، بما في ذلك التفاوض للاجماع على الشخص الانسب، وكأنه من خلال ما يقترحه يتناسى تجنب سلبيات الاذلال، اولا لانه يعرف ميشال عون عن كل ما عداه، ثانيا لان الاخير لن يترك مناسبة الانتخابات الرئاسية تمر من غير ان «يفرفك» انوف المطارنة جميعا، تعبيرا عن قدرته على التحكم بهذا الاستحقاق، من غير حاجة الى التفاوض للاجماع على الشخص الانسب، لان عون لو كان الانسب لما احتاج الامر الى ما يشبه «صندوقة النذورات»؟!
في عظة غبطة البطريرك، لاحظ الكاردينال انه لا يمكن السير الى الامام من دون رئيس للبلاد «لانه قائد سفينتها وضامن وحدتها الوطنية والساهر على احترام الدستور واستقلال الدولة وسلامة اراضيها والموقع لقوانينها وهو الذي يعطي شرعية لمؤسساتها ويبث فيها الحيوية»، كل ذلك كلام حق لا يحتمل دحضا من جانب اي طرف كان لكن المشكلة تكمن في ان العماد عون يعرف كل ما تقدم لكنه يصر على انه الوحيد الذي يرى نفسه مؤهلا لما هو مرجو.
ان ما طالب به البطريرك الماروني يكاد لا يصدقه عقل، طالما ان الجنرال يريد المنصب لكنه يخاف من مبارزة احد للوصول اليه، بدليل انقضاء تسع جلسات انتخابية فاشلة، لان عون لا يزال يصر على انه الوحيد المؤهل لان يكون رئيسا مع العلم انه يعرف ان دونه والرئاسة الاولى صعوبات من شأنها ان تتكفل بوصول غيره، الا في حال تبرع البطريرك باقناعه انه يحتاج الى اكثر من الاعتراف بانه «الشخص الانسب والاكفأ لرئاسة البلاد»!
الاجدر بالبطريرك الراعي تجربة اي شخص انسب واكفأ شرط ان يكون متواضعا ويعترف بوجود غيره على الساحة السياسية، من خلال الذي يسعى اليه المرشح الاخر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، كي لا يقال لاحقا ان البطريرك توصل الى ان يمون على الاخير لينسحب، فيما المعروف عنه حتى الان انه الاوفر حظا في الوصول الى قصر بعبدا، قياسا على ما سبق وحصل عليه من اصوات نيابية «كانت تكفي وحدها لان تجعل منه الشخص الاكفأ لرئاسة البلد»!
ان البطريرك قال صراحة انه يصلي لان يمن الله على من يتطلع الى رئاسة الجمهورية بالعقل والمنطق، من غير حاجة للقول ان غير مرشح يفتقد الى رجحان العقل والمنطق كي لا نقول ان الشخص المشار اليه يحتاج بالضرورة الى من يعزز عوامل العقل والمنطق عنده قبل فوات الاوان، وهذا ما سبق لبعضهم ان جربوه عند احدهم من دون ان يلمسوا ما يؤكد حيازته العقل والمنطق، قياسا على تجربة وجوده السابق في قصر الرئاسة «لتأمين اجراء الانتخابات الرئاسية بلا طائل»، قياسا على ما فعله انذاك من شن حروب وضرب الاستقرار في البلاد، وصولا الى حل مجلس النواب، وهي تصرفات لا تحسب من ضمن رجحان العقل والمنطق، بقدر ما تحمل مـظاهر عكسية تسمح بكل شيء باستثناء الوصول الى رئاسة البلاد؟!
وفي العظة المشار اليها، قال غبطته انه يأمل من دولة رئيس مجلس النواب «قيادة هذه المسيرة التي لم تعد تحتمل المزيد من الجلسات الانتخابية الفاشلة»، مشددا على الحاجة «الى رجال سياسة مؤمنين حقا بالله يجمعون بين موجبات العمل السياسي والمبادئ الاخلاقية ويناغمون بين الروحي والزمني (…) كما تحتاج الى رجال سياسة يشهدون للقيم الانجيلية والاخلاقية في نشاطهم السياسي بحيث يتفانون في سبيل العدالة الاجتماعية والخير العام، مستنيرين بمبادئ تعليم الكنيسة»؟!
لقد رفع البطريرك، الراعي سلم الشروط في دعوته الى من سيكون «الانسب والاكفأ لرئاسة البلاد»، مع العلم انه يعرف خاصة هؤلاء السياسيين ومن هو افضل من سواه لان يكون رئيسا من غير حاجة الى «معمودية دم ودمار ودموع» مما سبق للجنرال عون ان جربه يوم رفض اجراء انتخابات رئاسية وها هو اليوم يعيد الكرة، ليس لانه يرفض الانتخابات الرئاسية بل لانه يرفض لسواه الترشح عملا بمنطوق القانون والدستور، الذي يجيز لكل انسان ان يسعى طاقته لان يصير رئيسا؟!
مشكور غبطته على مساعيه شرط ان يحدد موعدا زمنيا لكل ما سبق له اقتراحه، كي يجنب الجنرال اللعب على السياسيين طالما انه غير قادر على ان يصل الى قصر بعبدا كشخص انسب واكفأ ربما لانه ليس الانسب وليس الاكفأ قياسا على ما هو مطروح في هذا الزمن الصعب؟!