فرَض ما رافق اليوم الأمني الذي شهدته البلاد يوم الجمعة الماضي نقاشاً عميقاً في مختلف الأندية السياسية والإعلامية لجهة المقاربة الإعلامية والأمنية والسياسية التي واكبت يوماً يستحق أن يكون «الجمعة العظيمة» نظراً إلى مساحة الإنفلات الذي شمل مناطق واسعة وجملة التناقضات التي رافقته وحجم انعكاساته على موسم السياحة. فما هي الخلاصات؟
تعترف مراجع أمنيّة بأنّ ما رافق يوم «الجمعة الأمنية الأسود» وما رافقه من انفلاش أمني وتدابير إحترازية إستثنائية امتدت من أقصى الشمال الى عمق بيروت وسهل البقاع، مروراً بضهر البيدر، يستحقّ التوقف عنده والبحث في عمق المقاربات التي رافقته على مختلف المستويات الأمنية والسياسية والإعلامية وحجم انعكاساته على الساحة اللبنانية على أبواب موسم الصيف.
فقد كان واضحاً أنّ ما نفّذته القوى الأمنية
والعسكرية في منطقة الحمراء كان عملاً منسقاً بين مختلف الأجهزة للمرة الأولى. فالمعلومات التي وصلت الى الأمن العام عن وجود قادة أو خليّة أمنية خطيرة في فندقين من بيروت أحدهما فندق «نابوليون» لم تكن «مزحة» على الإطلاق. فحجم الرواية وخطورتها ومصدرها أوحى بأنّ أمراً خطيراً كان يُدبّر للبنان واللبنانيين، استناداً إلى صدقية الجهاز الدولي المورد للمعلومات. ولما لم يكن سهلاً على جهاز أمني واحد تنفيذ العملية، كان القرار بمشاركة واسعة استدعت وجود رئيس فرع المعلومات وكبار ضباط مديرية المخابرات في غرفة عمليات الأمن العام في توقيت مبكر لمواكبة العملية بطريقة محكمة، وذلك تزامناً مع الدور التحذيري الذي لعبه وزير الداخلية فور تبلغه من اللواء عباس ابراهيم ما يمكن أن يحصل.
ولما لم يكن ممكناً تنفيذ العملية التي جُنِّدت لها قوى مختارة من مختلف الأجهزة بالسرية المطلوبة، نظراً الى طبيعة المنطقة السكنية والتجارية، كان ممكناً في المقابل وقف التسريب المبكر للمعلومات والتسابق الى تبنّيها، لا بل التمنّي على وسائل الإعلام تأجيل التغطية المباشرة، أو على الأقل دعوة «المراسلين الإعلاميين القدامى والجدد» الى تجنّب تقدير ما يحصل في سباق إعلامي إجتاح الحقائق، قبل الحصول على معلومات دقيقة لم يكن منفّذو العملية يملكونها. فوقع الإعلاميون في خطأ التوصيف واسترسلوا في روايات «همايونية»، قبل أن ينفلت الوضع، فتنفجر سيارة «ضهر البيدر» تزامناً مع إجراءات إستثنائية اتخذتها وحدات الجيش في بيروت ومحيط الثكنات العسكرية وشمال لبنان والبقاع.
وعليه، كان واضحاً حجم الأخطاء التي ارتكبتها وسائل الإعلام تأسيساً على «وثيقة إسرائيلية» نقلتها عن صحافية لبنانية لجأت الى إسرائيل تتحدث فيها عن تحضيرات داخل مخيم عين الحلوة لمحاولة اغتيال ابراهيم قبل أن تسحبها من حسابها فور وقوع انفجار ضهر البيدر، وتسارع الى نفيها، فاختلط حابل الأمن بنابل الإعلام ودبَّ الذعر في صفوف اللبنانيين بمجرد أن تقطعت اوصال الطرق في العاصمة وتجمّد السير في أكثر شوارعها حيوية.
لقد ثبت أنّ الإدارة الأمنية لأيّ عملية لم تعد كافية ما لم تواكبها خطة إعلاميّة وسياسية إستثنائية تحتسب مسبقاً ردّات الفعل على أيّ عملية قيد التنفيذ على كل المستويات. فالبلاد لم تعد تتحمّل السباق الإعلامي المبني على التقديرات والشائعات، والمواكبة واجبة على كل المستويات قبل أن تنتج عملية من هذا النوع تشكيكاً في قدرات الأجهزة الأمنية وخلفيات عملياتها ومراميها لتعود بعض الجهات الى تصريفها في أسواق السياسة الداخلية وزواريبها.
وختاماً، ثمّة مَن ردَّ على انتقاد الدور الإعلامي السلبي الذي انعكس على الساحة اللبنانية والخارج الذي يُشكّك في أمن لبنان، بدعوة القادة الأمنيين الى توحيد مواقفهم وقراءتهم لعملية يشاركون فيها بنخبة من قواهم قبل مطالبة الإعلام بعدم ارتكاب ايّ خطأ، وتجنيد أجهزتها للكشف عن هوية المنفذ وخلفياته قبل الإنصراف الى تكذيب بعضها بعضاً. فيوم الجمعة كان يوم «جمعة عظيمة» أمنياً وسياسياً وإعلامياً وسياحياً، لن تنتهي تردّداته قريباً. فمَن يتحمّل المسؤولية؟