تنغمس الطبقة السياسية في لبنان في صحن خلافاتها الذي لا يفيض ولا ينقص من الشراهة وبقايا الطعام وتبقى النتيجة صفرا مكعباً لحكومة ظن الناس يوماً يقول وزير سابق انه باستطاعتها في اقصى حالات العمل فيها تأمين المياه للعطش لمواطنيهم، وفيما تذهب هذه الحكومة حتى يوم الخميس الى معالجة موضوع العسكريين المختطفين بعد تأجيله من يوم الثلثاء وكأنه بند يوازي حفظ الارشيف العفن مع العلم ان السيف فوق رقاب العسكريين من خلال المهلة التي فرضوها على الدولة اللبنانية، واستعاضت هذه الحكومة ايضاً في تفاهات خارجة عن معالجة القضية الاساس الى لفلفة ما أثير حول حرق علم لـ«داعش» مما يوحي ويؤكد ان المسؤولين عن الناس مسؤولين عن ملذاتهم الشخصية ليس إلا وان الطبقة السياسية بأكملها تفتش عن مصالح ذاتية وعائلية بعيداً عن قيمة الدم الذي أريق في سبيل هذه الطبقة بالذات.
وما يدمي القلب يضيف الوزير ان اهل السياسة في لبنان يبدو في اعتقادهم ومن خلال تصرفاتهم كمن يلعب «الكلة» صباحاً ويتسلى بالشيشة مساء، وما حدث في ملف المخطوفين في عرسال يشكل فضيحة كبرى وتبين للناس ان سوء ظنهم بهذه الطبقة في محله، يذبحون رقيب في الجيش اللبناني ويقطعون رأسه ببرودة اعصاب امام شاشات التلفزة وتتحكم الحيرة في اهل السياسة عن كيفية المعالجة بعد ان رفعت يد المؤسسة العسكرية عنه على خلفية دق الصدور بأن الحل آت من السراي الحكومي اوغيرها لتنقشع الصورة اكثر ويتبلور المشهد بشكل واضح بان الدولة فارغة تماماً من صفة المسؤولية وعجزة عن معالجة اقل القضايا فكيف بامكانها ان تنهي بسلام مسألة خطف العسكريين واعادتهم سالمين، اما الصورة الابشع والسيناريو المخيف يتمحور وبحسب الوزير حول امكانية لجوء المسلحين على قطع رأس جندي آخر وهي عجزت من ان تسلك طريقاً نحو تأمين عدم جز الرأس الاول:
واشار الوزير الى أن «الدولة الاسلامية» قد حلت مكان الدولة اللبنانيةوباتت تفرض شروطها من انواع شتى حتى انها عازمة على تهديد الحكومة بقتل عسكري آخر اذا لم تؤمن الكهرباء والمياه الى المناطق التي يسيطر عليها المسلحون وربما مع الايام القادمة سوف تطلب «داعش» ومعها «النصرة» توظيف بعض اللبنانيين المؤيدين لها في ادارات الدولة، وبالتالي من يبدو انه يحكم الآخر؟ الحكومة اللبنانية او «الدولة الاسلامية»؟
ثمة عجز فاضح، يقول الوزير السابق، على كافة المستويات السياسية وبدت الجماعات المسلحة في المقابل تدير ملفاتها بشكل أكثر تنظيماً وبعيداً عن الفوضى فيما من المفترض باجهزة الدولة ان تكون في أدنى مستوى من المعرفة خصوصاً وان ملف الجماعات المسلحة ليس ابن ساعته انما كناية عن طريق طويل تم التحذير منه مراراً وتكراراً في الصحافة المحلية والقريبة والاجهزة الامنية وبالرغم من هذه التنبيهات المرفقة بالمعلومات بقيت الدولة في الطرف الآخر من ساحة الملهاة في ملـعب الازمـة الكبرى، وما يثير الكثير من تأكيد المعلوم حول قدرات الدولـة ان اهالي المخـطوفين العسكريين لم يصـدقوا يومـاً ان الحكومة قادرة على فعل اي شيء بل فاقمت الازمة تعقيداً، من خلال جهلها وعدم معرفتها ان الناس تعلم جيداً بماذا يتلهى حكام هذا البلد، ويتخوف الوزير السابـق من سلسلـة تداعيـات سوف تظهر تبـاعاً حـتى ولو تمـت معالجة قضـية العسكريـين وفق التـالي:
– اولاً: تباعد كبير وعميق وعدم ثقة بين الحكومة اللبنانية واللبنانيين وسوف يتضاعف ليصل الى حالة طلاق تامة ويبدأ معها الناس بتأمين امنهم الذاتي بتسليح أنفسهم دفاعاً عن بيوتهم وارزاقهم، كما سيلجأون الى تأمين الكهرباء والمياه وتدريس أولادهم ما دامت الدولة عاجزة عن تصحيح امتحاناتهم، وبذلك يصبح الرابط بين الشعب والدولة مقطوعا ويبدأ تفريغ الامراء في الاحياء والشوارع وتعود الضريبة الالزامية التي سيفرضها هؤلاء على الناس ناهيك عن اعمال القتل والخطف لتبقى الدولة هيكلاً عظمياً فارغاً تمهيداً لانهيار تام في كيان لبنان الحالي.
– ثانياً اتساع الهوة بين اللبنانيين والنازحين السوريين وصولاً الى حالة من التصادم في كافة المناطق خصوصاً مع موجات الغضب التي رافقت استشهاد الرقيب علي السيد واحتجاز خمسة عشر سوريا عند مفترق اللبوة في البقاع وحس الانتقام الذي يتملك قلوب اهالي عكار الذين حضنوا السوريين في منازلهم وتقاسموا معهم لقمة العيش ليرتد قسم منهم ويذبح اهلهم واولادهم، وهذه المعطيات يقول عنها الوزير السابق انها توازي بضخامتها الفتنة الكبرى بفعل تواجد السوريين في كل بلدة وقرية من لبنان وقسم منهم يتعاطف مع «داعش» او «النصرة» وباتوا يأخذون نفساً ضد اللبنانيين بعد سيطرة الجماعات المسلحة على الموصل وان تصرفات شبه عسكرية تحصل من قبل السوريين الذين سيتبين مع الوقت انهم اهل المنزل واللبنانيون ضيوف معهم، ومن يراقب ورش البناء و«السوبرماركت» والبساتين والعيادات الطبية وحتى بعض المصارف يتبين ان لقمة اللبنانيين اصبحت صعبة المنال مع احتلال مبطن من قبل السوريين لكافة أوجه العمل في لبنان ولا تبدو في الافق معالجات محلية او دولية وكأن الواقعة سوف تدور ولا أحد يعرف في اي وقت ستنفجر أمنياً بين اللبنانيين والسوريين الذين وصل تعدادهم الى اكثر من نصف سكان لبنان.
ويختم الوزير السابق ليرسم صورة سوداء عن الايام والاسابيع المقبلة في لبنان بفعل عجز الدولة اللبنانية او ما تبقى منها امام معالجة اقل القضايا ليطرح السؤال الصعب التالي: من يحكم لبنان: الدولة اللبنانية او «الدولة الاسلامية»؟!