وزارة الداخلية جاهزة للانتخابات ولكن..
من يوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في غياب الرئيس؟
يرى العماد ميشال عون أن «من واجب» وزير الداخلية نهاد المشنوق التحضير للانتخابات النيابية. يحاول تذكيره، كما تنشيط ذاكرة بقية القوى السياسية، بإلزامية توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة بين 20 تموز و20 آب، بغضّ النظر عن القانون الذي ستتمّ على أساسه الانتخابات.
المرسوم يتمّ توقيعه من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة. إذاً، معضلة جديدة تضاف الى لائحة الموانع التي ستحول أصلاً دون إجراء الانتخابات في موعدها. مَن سيوقّع عن الرئيس «الضائع»؟ الـ24 وزيراً؟ ستكون سابقة غير مألوفة، هذا إن حصلت.
هل ستكون هذه الثغرة الحجّة التي تبرّر عدم صدور المرسوم، والتمهيد لالتئام مجلس النواب للتمديد لنفسه، لكن هذه المرة بأقل من 97 نائباً هم عدد الموقعين على التمديد الأول؟
في آذار من العام الماضي وقّع ميشال سليمان ونجيب ميقاتي مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على أساس قانون الستين النافذ. حصل ذلك، بغياب التوافق على قانون موحّد، وفي ظل تريّث رئيس مجلس النواب نبيه بري آنذاك في الدعوة الى عقد جلسة للهيئة العامة لإقرار قانون الانتخاب.
لم يقرّ قانون جديد، ولم تجر الانتخابات على أساس الستين، بل استلقى التمديد على الصدور المرحّبة «من تحت لتحت». حضرت البندورة الى الباحة الخارجية لمجلس النواب ولاحقت النواب حتّى سياراتهم. أما الذين تقدّموا بترشيحاتهم الى وزارة الداخلية، من نواب حاليين ومرشّحين، فبعضهم سحب الثمانية ملايين ليرة (رسم الترشيح والتأمين الانتخابي)، والبعض الآخر تريّث، فالانتخابات آتية لا محالة.
ظُلِم يومها ميشال عون، حين رفعت صوره مع صور فريقه البرتقالي على «لائحة نواب العار»، هو الممانع الأول للتمديد والمتحمّس لإجراء انتخابات تجدّد «البيعة» لشعبيته المسيحية، لكن ليس بالستين بل بالقانون الارثوذكسي.
آنذاك شنّ عون وفريق «8 آذار» حملة قاسية على رئيس الجمهورية الذي وقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة على أساس القانون «الملعون». ردّ ميشال سليمان كان واضحاً «أنا ملزم بالمهل القانونية، ولا خيارات أخرى لديّ. قانون الستين مات سريرياً، لكن لكي يموت فعلياً تلزمه وثيقة دفن». كان يقصد بذلك، عدم إقرار قانون جديد يجعل من الستين في «خبر كان».
تبدو الصورة اليوم، وعلى مسافة خمسة أشهر من نهاية ولاية مجلس النواب المدّد له، أكثر تعقيداً، مع فارق كبير، أن التمديد الأول حصل في عهد الحكومة الوسطية برئاسة نجيب ميقاتي وفي ظل تباعد كبير بين القوى السياسية.
اليوم يسير الجميع، وبخطى ثابتة، نحو تمديد ثانٍ، لكن تحت سقف حكومة تجمع ثنائي «التانغو» ميشال عون وسعد الحريري، وتترجم تقارب الضرورة بين «تيار المستقبل» و«حزب الله».
اليوم عادت الموانع الأمنية، بملامح أكثر خطورة ربطاً بالحدث العراقي، لتفرض نفسها على الاستحقاقين معاً، وبما يتجاوز المخاوف التي سبقت وبرّرت التأجيل الأول للانتخابات النيابية.
كما أن المهلة القصيرة الفاصلة عن موعد الانتخابات، تجعل الحديث عن إقرار قانون جديد بغياب القرار السياسي مجرد دعابة، فضلاً عن التزاحم بين أولويتيْ الرئاسة والنيابة، وعجز القوى السياسية عن البحث في جنس القانون، وغياب رئيس الجمهورية المكلّف بإجراء الاستشارات النيابية لتكليف رئيس الحكومة.
حين سُئل ميشال عون عن هذه المعضلة قال «الـ24 وزيراً يجرون الاستشارات». عملياً، كان «الجنرال» يتقصّد القول بأنه إذا وصلنا الى الحائط المسدود حيث لا انتخابات رئاسية، ولا نيابية، وتمديد آخر لمجلس النواب، فذلك يعني تشريعاً لمطلبه بتغيير النظام، والبحث في صيغة دستورية جديدة.
توحي وزارة الداخلية باستعدادها الكامل للاستحقاق النيابي المفترض، رغم كل الأثقال «الداعشية» الملقاة على كتفها، ومواكبتها لاستنفار الأجهزة الأمنية بحدّه الأقصى.
سيجهد الوزير المشنوق لاستكمال التحضيرات الشكلية ومستلزمات العملية الانتخابية، هو العالم قبل غيره بصعوبة إجراء الاستحقاق في موعده المحدّد تحت ضغط عاملين أساسيين: ضبابية الصورة إقليمياً، وفرض الاستنفار الأمني نفسه على الساحة الداخلية بعد تطوّرات المشهد العراقي.
بعد الفشل في انتخاب رئيس الجمهورية، لا شيء يوحي حتى الساعة أن ثمّة قراراً بإجراء الانتخابات النيابية. نواب التمديد مرتاحون كثيراً على وضعهم، وإن كان بعضهم يتخوّف «بأن نُرشق بالبيض هذه المرّة»!
براغماتية وزير الداخلية قادته الى التأكيد، في ظل التكهّنات بشأن مصير الاستحقاق الرئاسي، بأن لا انتخابات رئاسية قبل منتصف آب المقبل، موعد الدخول في مهلة الستين يوماً لإجراء الانتخابات النيابية. فإذا طار الاستحقاق الأول، وهو الأمر المرجح، ما الذي يضمن أن لا يطير الاستحقاق الثاني؟
التفجير الانتحاري في ضهر البيدر فرض طرح السؤال الكبير: هل سقطت الهدنة الأمنية – السياسية؟
عملياً، يبدو فريق «تيار المستقبل» برمّته في جوّ التمديد لمجلس النواب، تماماً كما العديد من القوى السياسية، على رأسها النائب وليد جنبلاط.
الحوار الذي توقّف فجأة بين ميشال عون والرئيس سعد الحريري، أجّل ردّ الأخير على «الجنرال» في ما يتعلّق بالطرح الذي عرضه عليه، إبّان المفاوضات «الطائرة» بينهما، بشأن قانون انتخابي ينطلق من الـ 13 دائرة على أساس النسبية وتوسيعه ليصل الى 15 دائرة.
ليست المسألة في ردّ «الشيخ» على «الجنرال» الذي تجنّب طرح «المشروع الأرثوذكسي» كخيار أوحد، أو من باب رفع السقوف، بل في تأخر صدور القرار الخارجي بكسر حلقة التعطيل الداخلية.
في اللقاء الأخير الذي جمع المشنوق مع العماد عون في الرابية لم يتطرّق الرجلان الى موضوع الانتخابات إطلاقاً. تمّ الاجتماع برغبة من رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» الذي كان حاول الاتصال بوزير الداخلية بعد صدور «ملحق التعديل» الخاص بتشكيلات قوى الامن الداخلي، لكن الأخير كان غادر الى الدوحة مع وفد أمني.
حصل أخذ وردّ في موضوع التشكيلات وحُكي عن خطأ العودة عن التواقيع، فيما أكد المشنوق صوابية وجهة نظر عون، طالباً منه «بعض الوقت لترتيب المسألة». طرحت أيضاً مسألة تعيينات القائمقامين وملفات الوزارة وبعض العموميات السياسية.
لا ينتظر عون أصلاً من المشنوق أن يكون حاملاً أي رسالة سياسية، انتخابية أو غير انتخابية، ما دام الحوار الثنائي على مستوى القطبين مجمّداً حتى إشعار آخر، كما أن قنوات التواصل غير المباشر تتمّ عبر غيره.
«هجمة» نواب «المستقبل» على ميشال عون بعد حديثه عن ضمان الأمن السياسي للحريري كانت إحدى مؤشرات توقّف جولات التفاوض. أما زبدة اللقاء بين الحريري وجنبلاط في باريس فينتظر عون من يضعه رسميا في أجوائها، مع يقين «الجنرال» أن الرجلين لم يبحثا في لون البدلة التي سيرتديانها يوم انتخابه رئيساً!