Site icon IMLebanon

مهمات أمنية أمام الحكومة في ظل الشغور لم تنتهِ بعد ومخاوف من تعذّر احتواء تداعيات العراق طويلاً

عندما وافق فريق الثامن من آذار الذي يقوده “حزب الله” على تولي اثنين من صقور 14 آذار، وتحديدا من تيار “المستقبل” حقيبتين أمنية وقضائية هما وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ووزير العدل اشرف ريفي، لم يكن ذلك القبول الذي أمن ولادة حكومة الرئيس تمام سلام، بريئا، بل جاء في اطار تفاهم ضمني ما لبث أن تبلور لاحقاً ولا سيما في اللقاءات العلنية للمشنوق مع مسؤول الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا. وكان التفاهم يقضي بأن يتولى “المستقبل” مسؤولية ما وصف بـ” بتنظيف” البؤر الامنية المتفلتة في الشمال، بدل أن يتولى الحزب هذه المهمة التي يمكن أن تؤدي في ما لو حصلت إلى تفجير الاحتقان السني – الشيعي المتعاظم بفعل إنخراط “حزب الله” في القتال في سوريا. هذا الانخراط الذي لا ينظر اليه الفريق السني في لبنان على أنه تدخل فريق لبناني في شؤون دولة عربية اخرى، بل ينظر اليه من منظار مذهبي على انه تدخل لحزب شيعي ضد السنة في سوريا.

بدا أن التفاهم أعطى نتائجه بسرعة عندما انجزت الخطة الامنية في طرابلس وتم احتواء حرب المحاور القائمة هناك بعد عجز كبّد المدينة نحو 20 جولة عنف ودمار. ثم سلكت الحكومة طريقها، بما أعطى الانطباع أن لا سوء في شغور موقع الرئاسة الاولى بما أن الحكومة تقوم بواجباتها وتتولى المهمات الملقاة على عاتقها ولا سيما الامنية منها بالتفاهم الضمني بين المكونين الرئيسيين فيها: “المستقبل” و”حزب الله”، فيما الفريق المسيحي يتنازع صلاحيات رئاسية لا حول لها ولا قوة.

وفيما كانت الحكومة تأمل أن ترخي الاجواء التفاؤلية و”الانجازات” التي حققتها فور تشكيلها (ولا سيما في ملف التعيينات)، مناخا من الاسترخاء يتحسسه اللبنانيون، فينعمون بصيف هادىء نسبياً، يطلق عجلة النمو والنشاط الاقتصادي والانتعاش السياحي، خصوصا بعدما تم إحتواء موجة التفجيرات الارهابية التي إستهدفت مناطق نفوذ “حزب الله” في شكل أساسي، جاءت أحداث العراق لتطلق العنان مجددا للمخاوف المبيتة أساساً من الجمر الراكد تحت رماد الاستقرار الامني والسياسي الهش في البلاد.

والواقع انه وعلى رغم التطمينات التي أطلقها رئيس الحكومة تمام سلام عبر “النهار” قبل أيام عن أن الوضع الامني مضبوط وممسوك وأن الجيش والقوى الامنية يكثفون إجراءاتهم الاحترازية والاستباقية لأي محاولات لإستغلال ما يحصل في العراق لجهة أي تمدد “داعشي” في إتجاه الحدود اللبنانية، فإن هذه التطمينات لم تبد كافية في ظل توافر معلومات لدى الاجهزة الامنية عن خلايا نائمة ومعدة للإطلاق عند الحاجة اليها. وبدا أن “حزب الله” يأخذ هذه المعلومات بالكثير من الجدية، إذ إستعادت مناطق نفوذه إجراءاتها الامنية المتشددة، وظهرت عناصره في حال استنفار وجهوزية بعد فترة من التراخي الامني لم تدم أكثر من اربعة أشهر، وتحديدا منذ آخر تفجير إنتحاري إستهدف مقر السفارة الايرانية ودار الايتام الاسلامية في 19 شباط الماضي.

وبدا واضحا من “زلة لسان” التي أدلى بها رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون حول إلتزامه ضمان أمن زعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري “إذا كان في موقع المسؤولية”، مدى حضور المعادلة الامنية وسيطرتها على المشهد السياسي الداخلي. إذ أبرز كلام عون، ولو عن غير قصد، الجهات التي تهدد امن الحريري والتي يضاف أن رئيس التيار البرتقالي “يمون” عليها، فيما يبرز “حزب الله” من جانبه مخاطر التمدد “الداعشي” إلى لبنان على مناطق نفوذه، مما يعيد الى الاذهان مشهد الاضطراب الامني الذي عاشه لبنان في المرحلة الماضية، وعادت ملامحه لتقض مضجع اللبنانيين مجدداً.

وليست الحركة السياحية والتجارية الخجولة في الاسواق اللبنانية الا واحداً من مؤشرات عدة وانما مهمة على أن الضبابية التي رافقت المشهد اللبناني في العامين الماضيين لا تزال تخيم على سمائه رغم رفع الحظر الخليجي التدريجي على لبنان.

وإذا كان رئيس الحكومة تمام سلام قد سعى في أول إطلالة عربية له على المملكة العربية السعودية ويستتبعها الاحد بزيارة الى الكويت، الى أن يفتح الاجواء اللبنانية أمام عودة العرب الى بيروت، فإن المناخ الداعشي المسيطر على العراق وعلى الاقليم عموما سيظل يلقي بثقله على الداخل اللبناني، مخافة أن تخرج الامور عن القرار الدولي بتحييد لبنان عن ساحة الصراع الاقليمي.