Site icon IMLebanon

مواجهة «داعش» ممكنة.. ولكن

 

واجهت الأديان السماوية وغير السماوية جميعها وبمذاهبها المختلفة، أصوليات لطالما اقترنت بالإرهاب في سياق مراحل انتقالية كانت تقترن بتحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية.

فمن «محاكم التفتيش» المسيحية ومحاولة اغتيال العلم عبر إعدام غاليلي، إلى صليب النازية الى جورج بوش وأصوليته «المسيحية،» والتي ترافقت جميعها مع تحولات اقتصادية وسياسية كبرى، الى الإرهاب الأصولي الأقدم والأخطر في العصر الحديث في منطقتنا والمتمثل بالحركة الصهيونية والتي كانت آخر نتائج إجرامها آلاف الشهداء من الأطفال والنساء والمسنين في غزة، الى «داعش» التي تشكل النموذج الأخير للإرهاب «الإسلامي» المتحدر من القاعدة ومن «الوهابية» وتحالفها مع العائلة المالكة في السعودية.

الأخطر اليوم وفي مواجهة الموجات الجديدة من الإرهاب، وأولها في أفغانستان، أنها تأتي كجزء من مشروع أساسي هو المشروع الأميركي لإعادة تنظيم السيطرة على المنطقة وثرواتها، وبالتالي إعلان موت المشروع القديم «سايكس – بيكو» مع الدورة الحالية للأزمة البنيوية للرأسمال العالمي.

في إطار هذا الفهم، لا يمكن لأي تفسير يعالج الحركات الإرهابية كحركات مستقلة عن المشروع الأميركي، إلاّ ان يكون ناقصاً أو متواطئاً، فهذه الحركات هي جزء من تكوين هذا المشروع، يجري تمويله واستخدامه من قبله أو من قبل معتمديه وعملائه في المنطقة.

إن السعي الى ما يسمى «التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب» في ظل موازين قوى مختلة عالمياً، لا يمكن إلاّ ان يشكل تكراراً مؤلماً لشعارات «التحالف الدولي» في مواجهة «القاعدة» أو صدام حسين، وهذا ما يضع الجميع، سواء بإرادتهم أو بحكم الواقع، مجدداً تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي يضع المنطقة مجدداً في أتون مشروع تفتيتها وسرقة ثرواتها…

إن المواجهة الفعلية لهذا الخطر الإرهابي، يجب ان تشكل جزءاً من مواجهة المشروع الأميركي – الصهيوني وليس كجزء من هذا المشروع، وهذا ما يفترض تحالفاً عربياً (وعالمياً) ببعد تقدمي ديموقراطي مواجه للمشروع الأميركي ولطفراته التي تشكل جزءاً مكوناً له.

في ظل هذا المناخ الإقليمي، وكجزء من تحولاته الانتقالية الخطيرة، تأتي محاولات «داعش» الأخيرة للتمدد في لبنان، عبر بوابة عرسال وربما في أماكن يحضر لها قريباً، وهنا بديهي القول، إنه إذا كانت «داعش»، هي خطر يهدد الكيان الوطني ووحدته تجمع الخطر السياسي الى الإجرام الموجه، فإنها تستلزم مواجهة تشبه مواجهة الخطر الصهيوني.

انطلاقاً من ذلك، يمكن وضع الملاحظات التالية:

الأولى، ان مواجهة الإرهاب الداعشي، غير ممكنة بقيادة دولة منتهية الصلاحية عاجزة عن معالجة ادنى مشكلات المياه والكهرباء، وعاجزة عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب وعاجزة عن التوافق على دور حاسم للجيش، وبالتالي عاجزة عن دعمه، بانتظار ما سيبقى من مساعدات خارجية مشروطة فكيف يمكن لهذه الدولة العاجزة والمنتهية الصلاحية قيادة هذه المواجهة وحتى قيادة عملية تحرير اسرى الجيش المخطوفين والمهددين بالذبح التدريجي.

الثانية، ان مواجهة هذه الحركة لا يمكن ان تتم في ظل نظام سياسي طائفي، أمّن على الدوام البيئة الحاضنة للحركات الأصولية المتعددة الانتماءات، وهو في كل الأحوال مكون من حركات دينية مخففة، وبعضهم من يمكن اعتباره «داعش دايت»!

الثالثة، إن مواجهة هذه الحركات، بشعارات مذهبية وطائفية مواجهة أو تحت لافتة «وحدة الأقليات» (وفي لبنان ليس هنالك أكثرية بكل الأحوال) يؤدي الى توسيع البيئة الحاضنة لهذه الحركة الإرهابية ويخدم مشروعها.

الرابعة، ان تجربة أهالي عرسال، في احتضانهم للجيش تؤشر الى ان المواجهة يجب ان تنطلق ليس من الدولة العاجزة بل من تشكيل حالة وطنية داعمة للجيش الوطني وداعية لإعادة تأسيس الدولة على قاعدة تغيير النظام الحالي حتى ولو لم تتأمن حولها وحدة شكلية من المكونات السياسية الحالية المتحكمة بمصير البلد.