«الجيش الحر» في سورية والنظام السوري ونظام نوري المالكي وحّدتهم ظاهراً المواجهة مع «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). كل التقديرات المرتبطة بـ «عمالة» هذه «الدولة» لإيران، تتهاوى نظرياً، بمجرد إعلان المالكي تعبئة عامة للعراقيين لمواجهة خصم بدأ يرسم خريطة «دولته» بتغيير خريطتي سورية والعراق.
سقطت حدود دولة ممزّقة بالحرب والانتخابات، وسقطت حدود بلاد الرافدين، بمجرد «تبخّر» الجيوش العراقية وهرب قياداتها من الموصل. لـ «داعش» الآن القدرة على خوض حروب الحدود الجوّالة، بعدما سقطت في قبضتها ترسانة أسلحة كلّفت الدولة العراقية البلايين، فكيف إذا أُسقِطت حقول نفط وأُحرقت أخرى؟… ألا تذكّر معركة سقوط الموصل اللغز، بلغز سقوط بغداد في قبضة الأميركيين، وانهيار كل دفاعاتها فجأة عام 2003؟
ويكبر اللغز باستحضار تهديدات المالكي ووعيده ليل نهار بضرب كل «القاعدة» وما انشق عنها وما تفرّع، معتمداً على سطوته قائداً أعلى للقوات المسلحة، فإذا به يبدو الآن مستنجداً بالأكراد الذين نالوا، على مراحل أيضاً، نصيباً من غضب رئيس الوزراء المتهم بطمعه بكرسي أبديّ على رأس الحكومة… وأي حكومة يكون فيها الرأس والقلب والوسط ويوزع الأطراف على الحلفاء، لأنها «دولة قانون».
وإن كانت غالبية صحف العراق، نعت المؤسسة العسكرية بعد صدمة سقوط الموصل أمام جحافل «داعش» التي تضم مئات المقاتلين في مواجهة جيش جرّار وقوى أمن قوامها مليون عنصر، فالواقعة التي تجسّد كارثة لا بد أن تقلب حسابات بدت راسخة على مدى سنوات. وأبسطها أن حليف إيران، القائد الأعلى للقوات المسلحة لن يمكنه الرهان على ولائها لكسر شوكة «القاعدة» ولا المسلحين في العشائر السنّية التي اجتهد طويلاً في استعدائها بعدما استخدمها لمصلحة نظامه تحت ستار قتال «القاعدة»، خصوصاً في الأنبار.
لكن هذه المعادلة لا تستقيم أيضاً مع حديث عراقيين علناً عن خيانة ارتُكِبت في الموصل، وعن هرب القادة من الميدان، لتدخل «داعش» بهدوء، بل ان بعض مَنْ نزحوا إلى أربيل يروي حكاية ذاك الهدوء المريب الذي لم تعكّره رصاصة!
عانت «داعش» في المواجهات السورية مع «جبهة النصرة»، لكنها دخلت آمنة إلى قلب الموصل! حتى محافظ نينوى انضم الى أصحاب مقولة المؤامرة و «تضليل» قادة الجيش قائدهم الأول، المالكي. وفي بغداد من يخشى سيناريو يتعدى الموصل وتمدد «الدولة الإسلامية في العراق والشام» إلى محافظة كركوك، مثيراً تساؤلات حول إخلاء عناصر الجيش الساحة وكل نقطة في مناطق السنّة لمصلحة «داعش». وماذا لو سحب المالكي قواته من الأنبار للتمترس في مناطق الشيعة ومحيط بغداد فقط؟ هل يبدأ إذاً فصل حاسم في خريطة التقسيم؟ مَنْ يحرِّك «داعش» ويموّلها، سؤال قديم، جديده: مَنْ يمنحها ضمانات بألاّ تتعرض لحرب جويّة؟
خبر جيد للعراقيين أن يدافع الأكراد عن وحدة العراق بعدما حشرهم المالكي في زاوية الانفصال مرات، لكن المريب أن هناك مَنْ لا يستبعد مخططاً خبيثاً يكمن وراء تمكين السنّة بـ «دولة داعش»، تمهيداً لانفصال الشيعة في مناطقهم، والأكراد في كردستانهم… دويلة سنّية تقتطع ايضاً من سورية الحسكة والرقة ودير الزور، في مقابل «سورية علوية» ضمانتها إيران الشيعية.
فلنستمع إلى المالكي مجدداً، ووعيده، هو يطلب من البرلمان إعلان حال طوارئ لمواجهة الكارثة، وعقد النواب قد يلتئم اليوم، لكنه في كل الأحوال لم يعطل زحف «داعش» في كركوك.
أي جيش؟ يتقهقر سريعاً، أم «يتآمر» على قائده ويخونه؟ أي برلمان وائتلافات كلّفت العراقيين أنهاراً من الدم، ولم تصل بعد إلى بر المؤسسات؟
الأكيد أن بلاد الرافدين انزلقت الى المجزرة الكبرى المستمرة في سورية منذ 2011. ما على أميركا إلاّ أن تحذر من خطر «داعش» و «جهادييها»… ما على المالكي إلاّ أن يسأل إيران عن الحل.
لعله يشبه ما قدّمه «الحرس الثوري» في سورية.